&يوماً بعد آخر يستمر ناصر القصبي ومعه كادرعمل مسلسل سيلفي المتميزفي التقاط صوره السيلفي مع الظواهر السلبية والمخزية بمجتمعاتنا العربية والإسلامية لإلقاء الضوء عليها وتعريتها. ففي الحلقة الأولى كان السلفي مع الفاشلين الذين يتاجرون بالدين ويستغلون البسطاء ليصبحوا نجوم مجتمع. وفي الثانية كان السلفي مع الكيان المسخ الذي أنتجته مجتمعاتنا وهو داعش، حيث ألقى الضوء على واقعها القبيح، وفكرها القميء الذي تغسل به عقول السفهاء، وجرائمها الوحشية التي تمارسها بإسم الدين على الأبرياء.أما الثالث فكان مع ظاهرة العنف ضد المراة التي تناولها بذكاء وبرؤية عكسية. أما الخامسة فكانت مع نموذجين شائعين للتطرف المذهبي والتعصب الطائفي يلتقيان في رحلة على طائرة متجهة لإحدى الدول الأوروبية، ثم يبدئان جدالاً مذهبياً تافهاً بعد أن يكتشفا بأن إسم أحدهم هو عبد الزهرة وإسم الثاني يزيد، فالأول يصف الثاني بالناصبي ليعود الثاني ويصفهه بالرافضي، والأول يقول للثاني زواج المسيار سيء ليجيبه الثاني زواج المتعة أسوء، ويتطور الأمر الى شجار حتى تصل الطائرة ليتم إحتجازهما، وحينما تسألهما الشرطة عن ماهية الشجار، ثم تعلم أنه بسبب شخصين ماتا قبل 1400 سنة، تقرر إرسالهما الى مصح عقلي، وهذا هو فعلاً المكان الصحيح الأنسب لشرائح واسعة من مجتمعاتنا! ولا ندري ما الذي يخبئه لنا ناصر القصبي من مفاجئات جديدة في قادم الأيام!

ما يفعله سيلفي هو تحديداً ما تحتاجه مجتمعاتنا واقصد إستفزازها وعرض صورتها الحقيقة لها لترى مدى تخلفها وبشاعتها في جوانب عديدة من الحياة السياسة منها والإجتماعية والدينية، لأن بتشخيص الجروح فقط يمكن علاجها وليس بإنكارها، وهذا الأمر ليس بجديد على الفنان المبدع والمتألق ناصر القصبي الذي سبق وأن خاض في مناطق محضورة وطرق أبواب مغلقة وتناول مواضيع تعتبر من تابوات ليس فقط في الواقع والمجتمع السعوي بل وعموم المجتمع العربي الإسلامي، لذا ناصر القصبي في سيلفي هو نفسه في طاش ما طاش وآراب غوت تالنت، هو كما عودنا دائماً فنان ناضج وإنسان حكيم صاحب فكرة وقضية وليس مدعٍ فن أو إنسان مندفع سطحي يسعى للمال والشهرة وكسب إعجاب الناس. لذا رأيناه دقيقاً بنقد مجتمع بلاده وسلبياته وأمراضه في طاش ما طاش، ورأيناه الوحيد ضمن لجنة تحكيم آراب غوت تالنت الذي لم ينطلِ عليه مثلاً تهريج أحد المشاركين الذي قدم وصلته برسم أعلام الدول العربية على تيشرته وتمزيقها ليستجدي مشاعر البسطاء والسذج الذين سالت دموعهم مدراراً ومنهم زملائه بلجنة التحكيم، ورأيناه الوحيد حتى الآن الذي حينما تناول إجرام ووحشية داعش في سيلفي، تناولها بذكاء وجرأة وقوة كانت أشد على داعش ومسوخها من الصواريخ والقنابل.

اللافت في سيلفي ناصر مع داعش الذي أثار ردود أفعال واسعة لم تهدأ حتى الآن لجرأته وصراحته، هو قيام فنان سعودي في مسلسل سعودي أنتجته مجموعة إعلامية سعودية مُلك لأمير سعودي عرضتها قناة سعودية، بمسح الأرض بداعش وإرهابها وأزاحة الغطاء بشجاعة عن قذاراتها وكشف وحشيتها وأصابتها في مقتل كما لم تفعل أي قناة عراقية تدعي مواجهة داعش!وقد بدا القصبي موثراً ومقنعاً ووصلت رسالته لمشاهديه لأنه كعادته صادق مع نفسه ومع إنسانيته ومع مهنته، ورفضه لداعش وإرهابها هو من منطلق إنساني وليس طائفي، ولم يجاملها لأنها محسوبة من قبل بعض المرضى عليه أو على طائفته وبلاده، على العكس مما تفعله قنـاة العراقية وكادرها وبعض فنانيها ومسلسلاتها التي تروج للإرهاب المحسوب عليها وتجمل صورته القبيحة وتروج له وتصوره بطولات مقدسة! المضحك في الأمر هو حالة الحُب المفاجيء للقصبي التي نزلت فجأة على أغلب العراقيين الدائرين بفلك الاحزاب الطائفية العراقية ويطبلون لخطابها التحريضي ضد السعودية وكل ما يبدر منها ويمت لها بصِلة! وسَبب هذا التغيير ليس وعياً وإعجاباً منهم بفَنّه وجُرأته المعروفة أو لأنهم راجعوا انفسهم وكشفوا حقيقة الأحزاب التي يجترّون خطابها، وإنما لمُجَرّد إنتقاده داعش، ولو كان قد إنتقد ماعش (المليشيات)، أو لو فعلها مثلاً بقادم الأيام، لأصبح سعودي وهابي داعشي تكفيري!وهذا السبب وأقصد تَطَرّف الشخصية العراقية ولا موضوعيتها هو السبب في كون أغلب الإعلاميين والفنانين العراقيين هم إنعكاس لها ولوَعيها الجَمعي المريض! لذا يبقى السؤال الأهم هو.. متى يظهر لدينا فنانون عراقيون ناضجون وأصحاب مبدأ في قناة العراقية ليُعرّون نماذج مثل أبو درع وقيس الخزعلي، كما عَرّى ناصر القصبي وأياد راضي نماذج مثل أبو سراقة وأبو عكرمة! بدل تقديم أعمال تهريجية بإطار كيوَلي بات يميز الفن العراقي لا قيمة لها، سواء تلك التي تدين داعش أو تلك التي تُروج وتُسَوّق للمليشات والحشد(المُقدس!!) وتؤلههما من جهة أخرى.

&

[email protected]