داعش هزمت جيش نوري المالكي فهل ستهزم جيش العبادي؟

منذ سقوط صدام حسين عام 2003 حتى أيلول عام 2012 انفقت الولايات المتحدة أكثر من 25 مليار دولار لاعادة تأهيل وتدريب وتسليح الجيش العراقي. كما أنفقت العراق ذاتها مليارات الدولارات على طائرات ف 16 ودبابات م 1 ومروحيات أباتشي وصورايخ هيل فاير (نار الجحيم) وأسلحة اخرى.

ورغم هذا الانفاق الهائل فشل الجيش العراقي والمؤسسة العسكرية العراقية في تحقيق قدرات دفاعية فعالة لحماية البلاد حتى من عصابات داعش.

الأسباب كثيرة وتراكمية وأبرزها اخفاق العملية السياسية في العراق بسبب التدخل الايراني والنزاع الطائفي وهذا بدوره أضعف المؤسسة العسكرية. اضف الى ذلك التعيينات في المناصب العليا لم تكن حسب المؤهلات والكفاءات بل المحاصصات الطائفية. ولا يمكن استثناء الفساد المستشري والسرقات.الحصيلة الحاصلة لم يتم اعادة بناء الجيش على اسس مهنية سليمة لا علاقة لها بالطائفية والوساطات والمحسوبيات والضغوط الايرانية. واذا أخذنا بعين الاعتبار التردد الأميركي في وضع استراتيجية قوية للتعامل مع داعش والفشل المؤسساتي العراقي فليس غريبا ان تنجح عصابات داعش في احتلال مساحات كبيرة من الأراضي العراقية. حتى ان القصف الجوي لداعش لم ينجح حيث استطاعت داعش التمسك بمناطق نفوذها رغم اكثر من 5000 غارة جوية على مواقعها في سوريا والعراق. لاتزال داعش تحتفظ بوجود مكثف في الانبار والفلوجة والرمادي والموصل. خسرت داعش بعض المعارك هنا وهناك مثل سنجار وكوباني حيث واجهت داعش مقاتلين اكراد على الأرض. ولكن داعش لا تزال قوية في غالبية المناطق.

&

التقدم الداعشي:

رفض مسؤول عسكري امريكي 14 اكتوبر العام الماضي استبعاد احتمال سقوط بغداد في ايدي مسلحي تنظيم «داعش» الارهابي، معتبرا ان «ثقته غير كاملة» في مقدرة الجيش العراقي على الدفاع عن المدينة امام هجوم محتمل للتنظيم. وأكد الجنرال راي اوديرنو وهو قائد اركان في الجيش الامريكي للصحافيين في رابطة جيش الولايات المتحدة ان « القدرة العسكرية موجودة للدفاع عن بغداد، ولكن علينا مراقبة ما ستؤول اليه الامور خلال الايام المقبلة». وكان رئيس هئية الاركان الامريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي قال ان مسلحي «داعش» يقفون على مسافة من بغداد تسمح لهم بقصفها، ولا تتجاوز عشرين كيلومترا من المطار.

وكان رأيي الشخصي منذ شهور ان داعش سوف لا تتمكن من احتلال بغداد واعتقد ان هناك مبالغات كبيرة بقدرة داعش العسكرية. النجاحات العسكرية التي حققتها داعش في اجزاء من سوريا كانت بسبب تواطؤ النظام السوري وفي العراق كانت لاسباب اخرى.

هناك اعتقاد سائد ان داعش لقيت تواطؤ كبير من قبل النظام في سوريا الذي أخلى مناطق عديدة دون قتال يذكر كما حدث في الرقة وتدمر ودير الزور وفي اجزاء من حلب.

&

نوري المالكي يتحمل مسؤولية الفشل:

تميزت فترة حكم نوري المالكي بالفشل الاداري والمؤسساتي مع انتشار الفتنة الطائفية وهدر ونهب الاموال وفقدان السيادة مع انهيار أمني سمح للميليشيات وتنظيم داعش بالسيطرة على ربع الأراضي العراقية. وقد طالب بعض العراقيين بإحالة المالكي الى القضاء ومحاسبته على الجرائم والتجاوزات التي وقعت في فترة حكمه. وكان تعيين حيدر العبادي حسب مصادر عراقية انعطافة مهمة في الحياة السياسية العراقية، ويفتح الأمل أمام التغيير الذي يتطلع إليه العراقيون على اختلاف توجهاتهم لإنهاء حقبة مريرة كانت وماتزال نتائجها كارثية على مختلف الصعد. أي تقييم موضوعي للفترة 2006 – 2014 التي تولى فيها المالكي منصب رئيس الوزراء لا يمكن ان يتجاهل الفشل والاخطاء التي ارتكبها، حيث في بداية 2009 قام بتشكيل ما يسمى ائتلاف دولة القانون. وبعد انتخابات 2010 تخلى المالكي عن استراتيجية بناء التصالح والتوافق بتسليم كل مراكز القوى بأيدي حلفائه الشيعيين.

ومن الاخطاء الكارثية كان وقوف المالكي مع طاغية سوريا بشار الأسد وأرسل عصابات طائفية لتقاتل الشعب السوري دفاعا عن بشار الأسد مما أغضب السنة في العراق وخارجها.

هناك اعتقاد في العراق والشرق الأوسط بشكل عام ان المالكي خضع للضغوط الايرانية. ورغم ذلك اضطرت ايران للتخلي عنه. وتنفيذا لأوامر إيرانية وقف المالكي مع طاغية سوريا بشار الأسد وأرسل عصابات طائفية لتقاتل الشعب السوري دفاعا عن بشار الأسد مما أغضب السنة في العراق وخارجها.

خضع المالكي لتعليمات السفير الايراني في بغداد وقاسم سليماني قائد فيلق القدس مما اثار تساؤلات، إذا كان الأمر كذلك فلماذا تخلت ايران عنه في اللحظات الأخيرة. الجواب أن طهران أدركت أن المالكي اصبح عبئا عليها لأنه كان مكروها في العراق وخارجها. فشل في توفير الأمن والاستقرار والماء والكهرباء وكان فاسدا حتى النخاع. وايران لا يهمها تغيير الوجوه ما دامت تسيطر على العراق وتواصل تدخلها من خلال رئيس الوزراء الجديد.

&

لماذا انهار الجيش العراقي في صيف عام 2014؟

ومن الاخطاء التي ارتكبها المالكي هي رفضه عام 2011 التمديد للوجود العسكري الأميركي وكان هذا خطأ فادح لأنه الجيش والأمن العراقي لم يكن جاهزا لتحمل المسؤولية الأمنية. وكان هذا جليا عندما هاجمت داعش بعض المناطق العراقية في الأنبار والموصل حيث انهار الجيش العراقي بدقائق. البعض يعزي ذلك للفساد المستشري في صفوف الجيش ويلومون المالكي لتصفية كبار الضباط واستبدالهم برجال غير مؤهلين فقط بسبب انتماءهم الطائفي.

نجاحات عصابات داعش دمرّت ما تبقى من مصداقية للمالكي ففقد التأييد حتى من قطاعات كبيرة من الشيعة بسبب فساده ومحاباة الأقارب بالمناصب. يمكن القول باختصار أن فترة حكم المالكي تميزت بالفشل الذريع وانتشار الفقر والفساد والعنف وانهيار المؤسسة العسكرية. وهذا يفسر انهيار المؤسسة العسكرية امام الزحف الداعشي وكان هذا جليا عندما سقطت الموصل في حزيران 2014 بأيدي داعش.

والآن في عهد حيدر العبادي لم تتغير الأمور كثيرا. رغم التعبئة والحشد الشعبي والدعم الايراني وحزمة الاصلاحات التي اقترحها مؤخرا رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الا ان الجيش العراقي لا يزال يقارع داعش في العديد من المناطق دون تحقيق انتصارات حاسمة.

وقبل عدة ايام وبالتحديد يوم الأحد 2 أغسطس آب الحالي فاجأتنا بعض الصحف العراقية بالعنوان التالي: "الجيش العراقي يستغيث بالأهالي بعد فشله أمام الدواعش".

حيث طالب بيان عسكري أصدرته خلية الإعلام الحربي العراقي، الأحد، أهالي محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين بـ "الانتفاض والقضاء على فلول تنظيم داعش"، بعد هروب المقاتلين الأجانب للتنظيم.

هناك مبالغات اعلامية غربية وعربية بمقدرات داعش العسكرية. وهذه المبالغات تخدم الأجندة الايرانية الداعمة للأسد لتخويف العالم ان داعش هي البديل الأسوأ لبشار الأسد.

في سوريا داعش حققت نجاحات عسكرية فقط في المناطق التي وجدت فيها تواطؤ مثل الرقة وتدمر ودير الزور.

وحسب مصادر غربية ان بقاء داعش ناشطة على الساحة هي مصلحة ايرانية سورية مشتركة لتبرير الأكذوبة ان النظام السوري المدعوم ايرانيا يحارب الارهاب. وفي العراق لو فعلا ارادت ايران التخلص من داعش لتمكنت من دحر داعش خلال اسابيع. ويبدو أن داعش تقدم خدمات جليلة لطهران ودمشق ولكن العراق يدفع الثمن.

&

لندن