يبدو للكثيرين ان المرأة الغربية مختلفة تماماً عن نظيرتها الشرقية. بل هناك تصور في التصورات الشرقية، سواء في عالم الرجال أو النساء، ان الاختلاف يصل الى مقارنة بين مخلوقين مختلفين من حيث العقل والروح والعواطف، وهذا التصور لا يقتصر على رؤية الشرق للمرأة الغربية، بل حتى للرجل في تلك المجتمعات.
لكن وخلال السنوات التي قضيتها في كل من روما و لندن، وجدت ان التشابه بين الغربية والشرقية غير قليل. فهناك نقاط مشتركة في الكثير من النواحي ومنها الاهتمام في مظهرها و أناقتها و البحث عن الزوج المناسب و حرصها على عائلتها وأطفالها. ما تلمسته أننا بالنهاية، شرقييات كنا ام غربييات، نحمل خصائص الروح البشرية نفسها، علاقتنا بالأشياء تتحكم بها نوازع مشتركة، هي النوازع الانسانية.
الاختلاف الجوهري بين نساء الشرق والغرب، يتحدد في الثقافة والعادات والتقاليد المكتسبة عن طريق التربية. أي في المكتسبات التي تحددها عملية التنشئة والترقية والوعي بفعل البيئة الثقافية والسياسية والمجتمعية... مثلاً المرأة الغربية تملك حرية التصرف واتخاذ القرارات ولا تخاف من (القيل والقال) او لا تعنيها مثل هذه القضايا. لأنها لن تحاكم من قبل الاخرين من خلال لباسها وسلوكها مادامت ملتزمة بالقوانين، وهي بدورها ايضا لن تصدر أحكاما تجاه الاخرين. بينما الشرقية تخشى، حتى وان كانت في الغرب، أن تمارس كافة حريتها. فهي رغم علمها بأن القوانين تحميها، تبقى في العقل الباطن حاملة للخوف من نظرة المجتمع لها.
الجدل الاكثر شيوعاً في التفريق بين المرأتين، أن الشرقية تنظر للغربية على أنها نموذج مختلف في العواطف والحب والحياة الزوجية، وبشكل عام العلاقة مع الرجل. فعلا، هناك اختلاف كبير في طريقة التعامل مع الحبيب او الزوج، هناك في الشرق، تحرص المرأة على زوجها و تهتم به وتأخذ مهام اعمال المنزل وتربية الأطفال على أنها واجبات حصرية لها، وانها ليست مهمة الرجل. هنا، في البلدان الاوربية وعموما في الدول الغربية، النشأة الاساسية للمرأة تقوم على التساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات. فليس بالغريب ان تجد الزوج الغربي يعتني بالأطفال و يقوم بواجبات منزلية. وفي علاقات الحب نرى الشرقية تعاني من خوف مزمن طول فترة علاقتها العاطفية. وأسباب الخوف كثيرة، على رأسها عدم ثقتها بالرجل الشرقي وشعورها الدائم بأنه سيتخلى عنها او يرحل مع امرأة اخرى تمتلك تعجبه او تستثير عواطفه وغرائزه أكثر. بينما نرى المرأة الغربية اكثر اتزاناً في عواطفها مع الرجل فهي قليلة الغيرة و لا تدقق في الأشياء كثيراً و لا تمانع من صداقة حبيبها للفتيات مادامت مجرد صداقة. وفي هذه النقطة يبدو الرجل هو السبب الأساسي في تحديد طباع المرأة، فهو هنا أكثر مصادقية والتصاقا بالتزاماته العاطفية، لأنها ليست خاضعة لمعيار غريزي، بينما هناك، توجد دائما مشكلة في الصدق منبعها أن الرجال عموما يتحركون عاطفيا بموجب ما تمليه الغرائز، لهذه فإن العواطف تكون مهددة باستمرار بحسب الجانب الغريزي. فضلا عن هذا ان المنظومة القيمية، القائمة على المساواة، والتي تتحكم بنبض العلاقات الاجتماعية كافة، تخلق الكثير من الثقة والاستقرار عاطفيا ونفسيا تجاه تلك العلاقات.
على المستوى الشخصي، ورغم مرور 17 سنة على اقامتي في أكثر من بلد، والاندماج العميق في البيئة الاجتماعية، وتأقلمي مع وقائع اجتماعية وثقافية عديدة... فإن التأثير العقلي والثقافي الذي جرى علي، ودخولي في منظومة القيم بصورة تفوق الكثير من نظيراتي هنا، ليس كافيا ليحولني الى امرأة غربية بالكامل. أسباب متعددة وراء هذا الامر؛ منها أني ما أزال& اشعر بضرورة الاحتفاظ ببعض شرقيتي، الامر هنا مرتبط بشيء من هوية، وبشيء آخر من اقتناع بأن التحول الكامل مكلف. لذا منظومة العيب لدي تلعب دورا مركزيا في الكثير من السلوكيات، بينما منظومة الحرام مفقودة تماما، لأن الاولى تمثل بالنسبة لي شروط حياة، أما الاخرى فتعد تصورا ايديولوجيا عن الحياة، لا أؤمن به. فضلا عن إن التنشئة الأساسية، اسريا، لم تبن دينيا، بل سورياً.
في المقابل، ما اكتسبته من الغرب هو عدم الخوف من نظرة المجتمع نحوي طالما انني اتصرف بكل قناعة. وهذه نقطة كافية بتصوري، في تحديد وبناء شخصية المرأة باعتبارها وجوداً مستقلا عن الرجل، وفي الوقت ذاته لا تنطلق من الاستقلال الغربي الصرف الذي قد يؤدي الى شعور بالاغتراب، لا يمكن التأقلم معه.
والخلاصة، من خلال صداقاتي المختلفة للشرقيات والغربيات أجد ان من الضروري القيام بخلطة سحرية يجمع فيها بين بعض الصفات الشرقية والغربية ليصبح مزيجا مختلفاً، يميز المرأة التي تكتسب من العقل غربه ومن الشرق روحه. ففي المرأة الشرقية حنين غير موجود غربياً، وصبر بنته الظروف التي لم تتغير في منطقتنا وحياء يضفي الكثير على الانوثة، بيما تستقل الغربية استقلالا يجعلها عنصراً مؤثرا في المجتمع، وتمتلك ثقة بالنفس تستطيع معه أن توظف حتى عواطفها بشكل سليم، وتحصل على حقوقها بطريقة مناسبة غير مبنية على الخوف من سطوة المجتمع واستبداده.
&
التعليقات