&ترحل المعمارية البريطانية زها حديد وتخلد، انسانة عرفت ماتريد مبكرا ووصلت بقصة كفاح بطولي الى اعظم قمم المجد، شخصية عالمية، أصبحت منجزاتها وجوائزها على كل لسان مُنصف وفي كل محفل متحضر، الا وطنها الأصلي(العراق) فقد تجاهلها وليس لها على أرضه أي مبنى!! مع أنها لم تخفي تأسفها من جراء ذلك بناءا على رغبتها في المشاركة بوضع المخططات الأساسية لأمكنة ستساهم بتوفير بيئة معمارية مفيدة وفضاء يصلح لعيش انسان سليم، طبعا هكذا افكار يتم في عصر التخلف العراقي الحكم عليها بسرعة البرق على انها افكار غربية وصاحبتها امراة (ليست من جماعتنا) ولنكن واضحين بأن للمرأة مكانة ودور متدني ومُغيب في عراق الجنون والدم، مهما حاول البعض وخاصة في مناسبات مثل مناسبة رحيل خالدة الذكر ان يسترسل بكلمات منمقة وجمل معسولة حول أن العراق الحالي قد خسرها مع أنه لم يكسبها، وكلمات النعي من قبل اعلى المسؤولين لاقيمة لها بعد رحيل المبدعة الخلاقة و بعد أن ماتت غريبة وبعيدة عن الوطن الأم وهكذا سيكون الحال معنا كمبدعين ايضا فهناك حاليا بيئة هدامة لا أكثر هذا ليس رأيي فقط، بل أن الراحلة زها حديد سبق وأن أعربت عن حزن شديد بأن الدمار يشمل العراق وهو عنوانه المعاصر، زها حديد نتاج انساني لعراق آخر أفل عصره، كانت تتوفر فيه المناخات الأساسية التي تولد وتترعرع فيها المواهب فالتعليم قبل سيطرة حزب البعث كان في مقدمة الأولويات السياسية، والد زها حديد كان وزيرا للمالية وكان شخصا ليبراليا يؤمن بالتقدم والتطور ولم يجد حرجا في الاقتداء بالتجربة الناجحة مهما كان أصلها، فلا يمكن اخفاء الثمرة الجيدة بقشر البصل.. والدها الذي فرح بها كأبنة ( رأى النبي رجلا مغموما لأن أول أولاده كان أُنثى فقال له(ص) : لو تعلم مافي ذلك من فضل لبلغت ضحكتك السماوات.) غير أن واقع المرأة هناك وكما قالت زها حديد ( أكثر اعمالي فشلا كانت في الدول العربية وعانيت من مشاكل معهم، ربما لأنهم لايفهمون المرأة وربما لايحترمونها!) ذلك الوالد العلماني المتنور(الأ فندي الموصلي) لاحظ الذكاء في بريق عينيها وعرف كيف يربي طفلة نابغة و كانوا متمكنين الطريق كان مفتوحا أمامهم والمحزن انه لم يشهد النجاحات العالمية لابنته المعمارية وتوفي في بريطانيا الغربة، يكون للتوجيه دور مهم في تربية طفلة نابغة، ستعترف بذلك عندما تصل الى هدفها، تم اختيار مدرسة الراهبات لطفلة ولدت مسلمة (هذا شئ مكروه في عراق اليوم) لا اقصد بأن تلك المدرسة فقط، كانت مدرسة نموذجية، بل أن أغلب المدارس كانت جادة في تربية وتعليم طلبتها ومن ينكر ذلك فله اسبابه البالية. أنا لا اكتب هذا لتقديس الماضي ولكنني اكتبه كمحاولة لتعريف الحاضر البائس وبؤس الواقع هذا لاينكره سوى ذوي الأفكار الدينية (المتشدد منها). زها حديد تثقفت بجمالية فلسفية علمية بدأتها بالرياضيات (تحليل/منطق/استنتاج) ولدى الهندسة الحديثة روابط قوية مع الرياضيات والفيزياء، ممثلة بالعلاقات بين هندسة ريمان الرياضياتية والنسبية العامة. وهندسة زها حديد المعمارية، تطلبت عمليات حسابية معقدة لصهر وتحقيق سيولة الشكل وليس وقوفه على زوايا حادة وقوالب تقليدية وبنت على هذا الأساس المتين ثقافتها وخبرتها الهندسية واستمرت بالتعلم والأكتشاف والتطوير وكانت تدير مكتبا يعمل على ألف مشروع، يعمل تحت ادارتها المئات من خيرة المحترفين، من كان متابعا لها يُدرك بأنها رددت بشكل متكرر بأن لجذورها دور بما وصلت اليه.. كطفلة بعمر ست سنوات، أبهرها معرض تشكيلي في بغداد، في تلك الفترة وبعمر 11سنة، تأثرت بمبنى وزارة التخطيط ببغداد للمعماري الايطالي جو بونتي، قررت أن تصبح مهندسة، في مدرسة الراهبات الاهلية تعلمت أبجديات أساسية في حُب المعرفة وأكتشاف النفس، وفي بيروت الستينات وأوربا بعد ذلك، نالت الراحلة استقلالية وفرصة اعداد وتكوين، كل ذلك هيأها لتحقق ماحققته من شواهد خالدة وخاصة المباني الثقافية والعلمية منها والتي كانت الأقرب اليها .. بالنسبة لي اعرفها وسمعت عنها منذ زمن طويل، الا انني كنمساوي من اصل عراقي، يوم نالت ارفع جائزة دولة نمساوية، كان فرحي بها كبيرا، خاصة وأن ذلك تم لتكريم امرأة تعبقرت في واحد من أصعب المجالات وبقي ذلك المجال ملعبا للرجال قبل أن يصطفوا جانبا ويصفقوا لأمرأة جلست على عرش الهندسة المعمارية كملكة متوجة، السيدة ملكة المنحنيات. &&