عُقد في رام الله حوار اقتصادي أمريكي فلسطيني، بعد توقُّف دام أكثر من عشر سنوات، فما أهمية التوقيت؟ وما موقعيَّته في "حلِّ الدولتين"؟
تمخّض الاجتماع عن " (مواصلة) &البحث في عدد من القضايا لتقوية الوضع المالي الفلسطيني، كما اتفق الجانبان على مواصلة التوسُّع في برامج بناء القدرات الهادفة إلى تعزيز ريادة الأعمال، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتحسين إدارة الموارد المائية والطاقة." بالطبع هذا الحوار لا يعلن طموحاتٍ اقتصادية كبيرة، من قبيل تخليص الاقتصاد الفلسطيني من هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي، أو من الرَّيْعيَّة، والاعتماد على المِنَح الدولية، لكنه ينخرط في إجراءات ضرورية، في ظلِّ الانسداد السياسي، وربما لمنع تدهور أمني أكبر، فهو يتوخّى إيجاد فرص عمل عن طريق تمويل مشروعات صغيرة ومتوسطة.
&
وضمن الرؤية، أو الرواية الأمريكية، فإن هذا الحوار يأتي ضمن التزام واشنطن، نحو تنمية اقتصاد فلسطيني قويٍّ ومستدام، والذي سوف يكون بمثابة العمود الفقري لمستقبل دولة فلسطينية. هذه الدولة الفلسطينية، الموعودة منذ سنين، ولكن فرصها - باتفاق الجميع- تتضاءل، إن لم تكن تنعدم. حين وجَّهت أمريكا اهتماما أكبر، أيام رئيس الوزراء السابق، سلام فياض، لم نستشرف الدولة الفلسطينية؛ فماذا يختلف، أو يتفوّق هذا المسار الذي تتفق فيه أمريكا، أو تتوافق مع حكومة نتنياهو الأكثر يمينية، (ولا سيما بعد انضمام أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع) ومع سلام نتنياهو الاقتصادي؟&
بماذا يختلف هذا عن المسار الذي انتهجه سلام فياض، طيلة فترة حكومته التي استمرت من 2007 وحتى 2013 ؟ هذا المسار الفيّاضي الذي عُنِي ببناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، والاقتصاد الفلسطيني، دون أن يربط ذلك فعليا بزوال الاحتلال؟&
على الأرض أفضت سياسة فياض إلى طغيان أكبر للهموم المعيشية في الضفة الغربية، على حساب الانشغالات الوطنية والسياسية، مع تمادي المشروع الاحتلالي الاستيطاني التهويدي...مع قبضة أمنية (فلسطينية) شهد لها المسؤولون الإسرائيليون والأمنيون، فلو كان ثمة جدوى كبيرة من هذا النهج، بديلا عن الخطِّ المقاوِم، لحازت السلطة الفلسطينية في عهد فياض مزيدا من الصلاحيات، ولقبلت إسرائيل بضمِّ (مناطق ج)، أو جزء منها، وهي المناطق التي من شأنها أن تمنح الاقتصاد الفلسطيني مزيدا من الاستقلالية والتنوُّع، بالاستثمار في الرِّيف الفلسطيني، ( تشكِّل 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة. ويعيش فيها 150 ألف فلسطيني، وبناءً على اتفاقيات أوسلو، يجب أن تتبع هذه المنطقة لسيطرة السلطة الفلسطينية).لكن الاحتلال ظل بالمرصاد لكلِّ مشروع، ولو بسيط، كشقِّ طريق زراعية، بالتعويق، أو الإحباط.&
&
وهل يقوى هذا (المسار الاقتصادي) فعلا على مسابقة مشروعات نتنياهو، واليمين الذي على يمينه، وأكثرهم فاعلية:( متدينون مستوطنون) في فرض الحقائق الطبوغرافية الجغرافية على &أراضي الضفة الغربية والقدس؟ &
أما غزة التي قالت الأمم المتحدة: إن شروط العيش فيها مهدَّدة، وأنها لن تكون ملائمة للعيش بعد أربع سنوات، أيْ في 2020م؛ فما محلُّها في هذه المشروعات والحلول؟ وأما الفلسطينيون ضحايا النكبة / إسرائيل، الذين ينتقّلون من لجوءٍ إلى لجوء، وتضيق بهم، حتى الموت الجماعي، المخيماتُ في سورية، وحتى لبنان، فلا تتذكَّرهم هذه الحلول، أو الوعود ؟
لو كانت هذه المساعي الاقتصادية مترافقة ومتزامنة مع حلٍّ سياسي يحقِّق (الحدّ الأدنى) من الحقوق، لكان يمكن للمؤمنين بالحلول السياسية أن يتفهّموها، ولكن الواقع أنها جاءت بعد أن حدَّد نتنياهو سقْفَ المواقف، والخطوط الحُمْر، وبعد أن رفض المبادرةَ الفرنسية التي تقترب أكثر إلى شروطه، من حيث الترتيبات الأمنية، على الحدود بين الكيانين، بما في ذلك تواجُد طويل الأمد لقوَّات الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية، مع نشر قوَّات دولية، ومن حيث (الدولة الفلسطينية) التي ستكون منزوعة السلاح تماما. وكذلك فيما يتعلق باللاجئين، حيث لا التزام بقرار 194 الذي ينصُّ على «حق العودة»، ومن حيث القدس التي يتحدث عنها المشروع الفرنسي كمدينة موحَّدة، وكعاصمة مشتركة.
يأتي هذا الحوار الأمريكي الفلسطيني، الاقتصادي، بعد أن تناقلت الأخبار استعداد الجامعة العربية النظر في تعديلات على المبادرة العربية (؟!)، وبعد تصريحات عبد الفتاح السيسي التي قال فيها: لو قدرنا أن نحقق حلًّا، ونوجد أمانا للإسرائيليين، ونخلق أملا للفلسطينيين؛ فستكتب صفحة أخرى جديدة يمكن أن تزيد عما تمَّ إنجازه من معاهدة السلام (بين مصر وإسرائيل) فالأمان للإسرائيليين و(خلق) الأمل للفلسطينيين(!).
فالحاصل أن ما تُتيحه المعطياتُ السياسية الإسرائيلية والدولية والأمريكية هو تحقيق الأمان لإسرائيل، من خلال منع أيِّ أعمال نضالية ضد الاحتلال والاستيطان، وتحقيق (أمل) للفلسطينيين عن طريق هذه الحلول، أو المشروعات الاقتصادية، لكنه ليس أملا سياسيا بالطبع؛ فالولايات المتحدة، وهي الأقدر على فرض حلٍّ على إسرائيل، (ولا تريد) تُقدِّم ملفاتٍ أهمّ، دولية وإقليمية، ورئيسها باراك أوباما (بطة عرجاء) ولم ينجح، بل تراجع، أمام نتنياهو، وهو في زخم فترته، واندفاعه، بنوبل للسلام، دون سلام، يترك للمشروع الاحتلالي أن يأخذ مداه، متوازيا مع تدابير آنية، ومحدودة، أكثر منها بعيدة المدى، وبنيوية.&
&
التعليقات