&
نحن في عام 2010 حين يقف اردوغان في مؤتمر دولي في سويسرا ليقرع بحدة شمعون بيريز بسبب حادث السفينة التركية إلى غزة. كان الأداء أشبه بمسرحية معدة سلفا. وفي تلك الفترة كان اردوغان يتقرب من ايران ويدافع عن مشروعها النووي وينتقد الغرب بسبب ذلك وهو ما دفع بالاتحاد الأوروبي الى لفت نظره من أن تركيا ما تزال عضوا في حلف شمال الأطلسي وطالبة لعضوية الاتحاد وعليها ان لا تخرج عن موقف الاتحاد تجاه ايران. وفي الأيام ذاتها كان اردوغان يتقرب من الأكراد ويعدهم خيرا.
حين عاد من سويسرا استقبله أنصاره والمتحمسون له بهتافات مثل "عاد الفاتح" في إشارة الى السلطان محمد الثاني الذي فتح القسطنطينية أي إسطنبول. وكان بين اللافتات "الاتراك المرعبون" و"الامبراطورية ترد" كان ذلك مظهرا بارزا من مظاهر اتجاه القيادة التركية نحو بعث العثمانية بطبعة جديدة. ونشرت الشرق الأوسط في ديسمبر 2010 تقريرا ميدانيا واسعا حول ممارسات ومظاهر الحنين الى العهد العثماني. ومن ذلك تشييع شعبي وشبه رسمي لطغول عثمان الذي كان من الأسماء المرشحة ليكون آخر سلطان عثماني. استقبلوه بملابس الحداد ومنهم من ركض ليقبل ايدي مرافقيه.
ان مجموع هذه التحركات والسياسات ولاسيما بعد تقريع بيريز، وجدت حماسا منقطع النظير لدى فريق من المثقفين والكتاب العرب. واعتبروا ان هذه السياسات هي "نيوعثمانية" وان اردوغان يقوم بثورة ضد الثورة العلمانية الكمالية. وكتب منهم من كتب تحت عناوين مثل "تركيا تعيد اكتشاف نفسها وهويتها" ورفع آخرون شعار "انقرة - طهران - دمشق" باعتباره محور الإنقاذ العربي والإسلامي. وماذا بعد اليوم تصافى اردوغان مع إسرائيل وعم البرود علاقاته مع طهران وانقلب بالحديد والنار على الاكراد. ولكنه لا يزال ثابتا ومثابرا في هو س العظمة الشخصية والعثمنة ومستمرا في أسلمة المجتمع والدولة واضعاف المؤسسات الثلاث التي كانت تعتبر اركان حماية تراث اتاتورك وهي الجيش والقضاء والجامعة. وانقض بعد المحاولة الانقلابية لتنفيذ مخطط معد سلفا. حتى بلغ عدد المعتقلين خلال أيام 18 الف بحجة تورطهم في المحاولة وتبعيتهم لغريمه الإسلامي كولن.&
واذا كان يمكن تصديق ان عددا منهم موالون لكولن فلا يمكن تصديق ان هذه الآلف جميعا من اتباعه وذلك قبل أي تحقيق نزيه وشفاف وبغياب المحامين. في الفترة التي تحدثنا عنها كان قلة من المثقفين من عاكسوا التيار؛ تيار التهليل والتمجيد لاردوغان وكان في مقدمتهم حازم صاغية الذي ابدى استغرابه لمن يمجدون بعث العثمانية وان من يريد خيرا لتركيا يجب ان يتمنى تركيا الحداثة والديمقراطية والحرية والانفتاح والحرص على تراث الاتاتورك وتطويره. والحقيقة ان تمجيد السعي للعثمنة بطبعة جديدة يعني نسيان ان الإمبراطورية العثمانية جثمت على صدور الشعوب قرونا وان العهد العثماني كان عهد تخلف وسجن المرأة في بيتها وتأجيج الصراع الطائفي في المنافسة مع الإمبراطورية الصفوية. لقد ظل اردوغان في مسيرته الداخلية والخارجية ولحد تشجيع المتطوعين للانضمام الى داعش والسماح لهم بالتسلل الى سوريا حتى توقف عن ذلك تحت الضغوط الدولية وها هو يمعن في الابتعاد عن سياسة القانون والأساليب الديمقراطية وينفتح على بوتين ويومئ بالإشارة الى بشار الأسد... "فإلي اين تسير تركيا واردوغان" وكان هذا عنوان مقال لنا في أواخر 2010 وأخيرا وكما يقول صاغية فإن طلب العظمة يدل غالبا على الضعف ولا ندري أي طراز من العظمة ننتظره ممن كان شعاره منذ دخوله السياسة "المساجد ثكناتنا والمآذن رماحنا". وإذا كانت هناك بعض التقولات او شبهات حول المحاولة الانقلابية فإن من المؤكد قوله ان انقلابا قد جرى بالفعل وهو انقلاب اردوغان نفسه.
التعليقات