بحسبة بسيطة، هل الوحدة العربية تكلف الدول أكثر مما كلفتهم الحروب؟ لسنا بصدد التفكير الرغائبي، ولكننا حسبة بسيطة توضح بجلاء أن قصر النظر العربي كلفهم فواتير عسكرية لا قبل لهم بها. فمعظم العرب ساخطون وناقمون ولجأوا إلى جهات خارجية لتدمير بلدانهم، فكانت النتيجة هرولة العرب لعقد تحالفات غير مضمونة النتائج وشراء أسلحة بثروات بلادهم وخسارتهم البشرية والمادية والمعنوية.&

العرب قسمان: دول فقيرة وأخرى غنية، وهذه الدول الغنية عاملت العرب بفوقية واستعلاء وإذا ما غضبت من حاكم، قامت بإبعاد مواطني دولته. ولو أنهم اتفقوا على التعاون، لما تشرذموا وقدموا أنفسهم على موائد الدول القوية. كان يمكن بجزء من الفاتورة العسكرية انتشال العرب من الفقر وكسبهم كجنود لحماية الأرض العربية، وكان يمكن أن خلق تكامل تنموي وعسكري بين الدول العربية والوصول بالعرب إلى مستوى رفاه يضاهي الدول الغربية، وكان يمكن للمليارات التي أنفقت للجمعيات الخيرية الأمريكية أن توجه إلى الداخل العربي، وكان يمكن استغلال الأموال الطائلة التي انفقت للفعاليات العالمية أن تستغل لإنشاء مصانع في شتى بقاع الوطن العربي، وكان يمكن توفير الأموال التي تنفق للسياحة العربية في الخارج لكي تنفق على السياحة الداخلية، وكان يمكن للمدخرات التي في البنوك الغربية أن تستغل في المشاريع التنموية داخل البلدان العربية، وتأسيس جيش عربي للدفاع عن كامل الحدود العربية، وكان يمكن توفير الأموال التي انفقت لتأسيس ميليشيات إسلامية واستثمارها في خلق مجتمع متحضر تتوفر فيه الحريات العامة وحرية التأليف والنشر ومختلف قنوات التعبير عن الرأي، وكان يمكن للعرب الانفتاح على بعضهم البعض والاستمتاع بالثروات الطبيعية والصناعية في أي ركن من بلاد العرب، وباختلاطهم ببعض، سيكون المجتمع برمته خلية نحل تسعى للعمل والبناء ولن يلتفتوا إلى اختلافات دينية وعرقية، وكل هذا جميعه لن يكلفهم ربع ما هدروه على التسليح وتدمير البنى التحتية وقتل الملايين.&

ربما كانوا يخشون أن يفقدوا السلطة، ولكن دولة الإمارات تمكنت من توحيد الإمارات دون أن يزول حكم واحد من الحكام، ألم تتمكن الولايات المتحدة من توحيد الدولة ونشر الحريات حتى غدت قلعة عصية على كل من يريد بها سوءا؟ كان يمكن للعرب أن يتوحدوا في دولة واحدة مع بقاء كل حاكم على كرسيه، أو يمكنهم التناوب على رئاسة الجمهورية مع وجود هيئة تشريعية تكون صمام الأمان لمنع الوقوع في الأخطاء. وكان يمكنهم تعزيز المواطنة بصرف النظر عن أي اختلافات عرقية ودينية.&

لم يكن تحقيق الوحدة والتكامل بالأمر المستحيل، ولو افترضنا أن مشروعا كهذا سيكون فيه مخاطر جسيمة، فإن الفشل المحتمل لن يكلف ربع ما أهدرته الحروب من تكلفة بشرية ومادية. لماذا لا تزال العقلية العصبية تتحكم بنا وكأن كليبا وجساسا لم يموتا منذ قرون؟ لماذا يؤثر العرب التفرق مهما كانت تكلفة هذه الفرقة؟ ألا يخشون أن تصبح بلادهم وسكانها ملكا لمن يتمكن منها؟&

هذا الحديث ليس من باب الخطابة التي سئمنا منها، ولكنه يأتي في وقت أصبحنا فيه على شفير الهاوية وربما يلحقوننا بالدول المجاورة قريبا. لقد أمضينا عقودا ونحن في غفلة وقسم منا محتار بقوته ونفسه وقسم ينفق بسخاء ويرفد الخزينة الأمريكية والبريطانية والفرنسية. بل لقد قدمنا أخوتنا لقمة سائغة لهم ونحن صاغرون. ثم جاء دورنا وسوف نكون على موائدهم قريبا.&