&
تأسيس الكيان القومي للشعب الكردي حق مفروغ منه ومعترف به في القوانين والمواثيق الدولية. ولن نخوض في تفاصيل واسباب عدم وصول هذا الشعب الى ممارسة حقه، لأن هناك عوامل جغرافية وسياسية كثيرة حالت ومازالت تحول دون تحقيق هذا الحلم الكردي الأثير،في مقدمتها غياب قيادة كردية واعية ومتمرسة بالنضال الدبلوماسي للمطالبة بهذا الحق وفقا للقوانين الدولية،حيث أخفقت جميع الثورات الكردية من تحقيق هذا الهدف بسبب قلة خبرة قيادات الكرد وإكتفائهم ببعض الحقوق الأساسية مثل الإدارة المحلية أو الحكم الذاتي أو النظام الفدرالي.
مع هذا الفشل الذريع حاولت قيادات الحركة الكردية إستغلال هذه النزعة القومية لإسباغ نوع من الشرعية على نفسها،منهم الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني قائد ثورة أيلول1961-1975والذي حصر حق شعبه بتقرير المصير بالحكم الذاتي والذي لم يحصل عليه أيضا بسبب إرتهان إرادة شعبه وثورته بيد شاه إيران الذي ما أن وقع إتفاقية الجزائر مع صدام حسين حتى إنهارت الثورة بظرف ساعتين.
وجاءت الثورة الكردية الجديدة عام 1975والتي إندلعت بقيادة الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني لترفع سقف المطالب القومية الى الفدرالية وشاركه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني نجل الملا مصطفى وتم تثبيت هذا الحق في الدستور العراقي الجديد بعد سقوط نظام صدام، ولكن حتى هذه الصيغة لم تستقر في العراق بسبب مواقف بارزاني من الحكومة الإتحادية وخلق المشاكل معها مانسف العلاقة الدستورية بين الشعب الكردي والحكومة المركزية.
وإعتاد مسعود بارزاني منذ تأزم علاقاته النفطية والمالية مع الحكومة العراقية على إطلاق شعار " الإستقلال والإنفصال"عن العراق وتأسيس الدولة الكردية المستقلة كلما تصاعدت وتيرة مشاكله الداخلية. فحين وصلت علاقته بالسيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي قبل عدة سنوات الى حد القطيعة والتلويح بإستخدام قوات البيشمركة ضد الجيش العراقي، روجت وسائل إعلامه لشعار الإنفصال عن العراق بهدف إيهام الشعب الكردي بأنه يسعى من وراء ذلك الى تحقيق حلمه الأثير بالإستقلال،ولكن مع مغادرة المالكي لمنصبه كرئيس للوزراء تبخر هذا الحلم ولم يتطرق إليه أحد..وبعد إنتهاء ولاياته القانونية الثلاث كرئيس للإقليم وقع مسعود بارزاني في ورطة قانونية كبيرة نتيجة إصراره على البقاء في السلطة، فعاد مرة أخرى الى الترويج لهذا الشعار على أمل إقناع شعبه وقواه السياسية بإبقائه على سدة الرئاسة لحين تحقيق هذا الحلم الكردي. وبدأت ماكينته الإعلامية تعمل بهذا الإتجاه مستغلة عواطف الكرد من جهة،ولغرض إشغال المجتمع الكردي بهذا الشعار للتغطية على الأزمات المعيشية المستفحلة بإقليم كردستان من قطع الرواتب الى الربع وعدم وجود الكهرباء وشحة المياه وتوقف المشاريع الخدمية والبطالة وفشل الحكومة في تدبير الأموال اللازمة لدفع ربع رواتب الموظفين.
وأصبحت الماكينة الإعلامية لحزب بارزاني تستغل زياراته الى الخارج لخداع الشعب وإيهامه بقرب إعلان الدولة المستقلة على يد البارزاني الإبن وتربط كذبا تلك الزيارات بجهود بارزاني لإنتزاع موافقة تلك الدول إعلان الدولة.فيما حاول ممثل حكومة إقليم كردستان بالإتحاد الأوروبي وهو من حزب بارزاني للترويج قبل أشهر بأن دول الإتحاد الأوروبي تنتظر على أحر من الجمر صدور بيان من بارزاني لتشكيل دولته المستقلة لتعترف بها رسميا، في حين أن وفد الإتحاد الأوروبي الذي زار مؤخرا إقليم كردستان قد أعلن موقفه الرسمي برفض تشكيل الدولة الكردية والإصرار على بقاء الكرد ضمن الدولة العراقية الموحدة وهذا ما أعلن عنه القيادي بحزب الإتحاد الوطني الملا بختيار حين أكد في تصريحات صحفية أن الرسالة التي حملها وفد الإتحاد الأوروبي الى قيادات الأحزاب الكردية بكردستان تؤكد عدم موافقة الإتحاد الأوروبي على أية قرارات قد تصدر من بارزاني بهذا الشأن وهذه الرسالة الرسمية موجودة لدى المكتب السياسي للإتحاد الوطني وجميع القوى والأحزاب السياسية الأخرى بكردستان.كما روجت وسائل إعلام حزب بارزاني قبل عدة أيام تصريحا منسوبا لبارزاني أثناء زيارته الأخيرة الى باريس ولقائه بفرانسوا هولاند أكد خلاله أن الرئيس الفرنسي أبلغ بارزاني تأييده لتأسيس الدولة الكردية،ولكن القنصلية الفرنسية في أربيل طلبت من حزب بارزاني توضيح هذا الموقف وإعلان المصدر الذي نقل عنه ذلك التصريح، ما أحرج حزب بارزاني ودفعه الى إصدار إعتذار رسمي عن كذب ذلك التصريح ما شكل فضيحة مدوية في كردستان.هذا ناهيك عن مئات التصريحات التي تصدر يوميا من قبل قيادات وكوادر هذا الحزب في وسائل الإعلام والتي تتحدث عن تشكيل وشيك للدولة الكردية وتنظيم الإستفتاء الشعبي حولها في القريب العاجل.
لقد أعلن مسعود بارزاني قبل عدة أشهر بأن تنظيم الإستفتاء ثم تأسيس الدولة الكردية سيكون موعده قبل حلول موعد الإنتخابات الأميركية.ونحن في الحقيقة لانجد أي رابط بين إعلان الدولة والإنتخابات الأميركية، ولا ندري ما علاقة فوز الجمهوريين أو الديمقراطيين بتأسيس تلك الدولة في وقت أن الإدارة الأميركية وعلى لسان نائب الرئيس جو بايدن قد أكدت بأنها لن تقبل بتأسيس الدولة وعلى بارزاني أن يعود الى بغداد ويعمل على ضمان وحدة العراق.وفي أحدث تصريح لموقف الإدارة الأميركية أعلن جيف جون بيرنان رئيس وكالة المخابرات الأميركية" أن أي دولة كردية لن تتشكل لا في العراق ولا في سوريا،وأن البلدان سيعتمدان النظام الفدرالي للحكم".
الغريب في الأمر كله أن مسعود بارزاني وحزبه يدعون بأن هناك أكثر من 100 مائة دولة أبدت إستعدادها للإعتراف بدولة كردستان المرتقبة،ولكن لا ندري سبب تردد بارزاني في الإقدام على هذه الخطوة مادام هناك أكثر من ثلثي دول الأمم المتحدة مستعدة للإعتراف بها حسب وسائل إعلام حزب بارزاني منهم فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا ودول أخرى من الإتحاد الأوروبي وهذه دول معتبرة ولها ثقلها في السياسة الدولية؟.
للتذكير فقط ، إن تنظيم الإستفتاء لتقرير المصير هو شأن يختص به برلمان كردستان، لكن هذا البرلمان معطل حاليا بسبب طرد رئيسه من قبل قوات حزب بارزاني من أربيل وتوقفت نشاطاته بالكامل ولم تستطع عقد أية جلسة من جلساته بسبب مقاطعة الأغلبية المطلقة لتلك الجلسات كموقف مضاد لقرار طرد رئيس البرلمان، ومن دون تفعيل البرلمان ومعاودة جلساته وعرض مسودة قانون الإستفتاء عليه يصبح من المتعذر إجراء الإستفتاء والحصول على قرار الشعب بتأسيس الدولة أو رفضها، اللهم إلا إذا أراد بارزاني أن يعلن دولته المستقلة بقرار من مكتبه السياسي كما فعل بطرد رئيس البرلمان وأربعة من وزراء الحكومة بقرار من ذلك المكتب.والملاحظ أن كل الفبركات الإعلامية والأكاذيب التي تروجها وسائل إعلام حزب بارزاني بشأن قرب تأسيس الدولة الكردية باتت تتبخر بسبب إنكشاف كل هذه الحقائق، ولذلك لم يبق إلا أن يعلن بارزاني في يوم من الأيام أنه فشل في تأسيس تلك الدولة المزعومة ثم يلقي كعادته بالمسؤولية على عاتق الآخرين بعد أن يكون قد أنهى سنوات أخرى من ولايته غير القانونية.
إنها لعبة وتنطلي على البعض، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
التعليقات