قررت ايران مع لحظة دخول العام الجديد 2020 ان تعود بالعراق الى أربعة عقود الى الوراء و تحديدا عام 1979.
احراق السفارة الأمريكية في بغداد ليلة دخول 2020 هو يوم النسخة العراقية من احراق سفارة واشنطن على يد اتباع حرس نظام الخميني في طهران قبل أربعين عاما.
كان ينبغي الدخول الى العام الجديد 2020 على غير طريقة فيلم آرغو ، كان يفترض ان يكون لحظة فارقة على سبيل التاريخ يقودها ابناء المستقبل , اولئك الحالمون الراغبون في حياة افضل. القادرون على التسامح مع لحظات التاريخ التي تدوم ندباتها عقودا من الزمن , المستعدون لتطويع الجغرافيا ولعناتها الابدية حيث الجوار الصعب و الجار السابع ( العراق وجيرانه الستة ).
النظام السياسي العراقي المريض صار يواجه ابناءه بالنار بعد ان جرى رفضه صراحة , النظام فقد صلاحيته و يدخل 2020 ووجهه مليء بالتجاعيد لا يعترف بالكهولة ، ينخره السرطان و يحاول علاج نفسه بالمسكنات و لم يعد يستطيع ان يفعل شيئا سوى قتل أولاده و إعدامهم كما هي روايات الرعب عن افعال الوحوش في الغابات.
اليوم جاء العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ليشهد على العراق وهو في حالة صراع عبثية اخرى كأنها نسخة من مغامرات نظام صدام في 1990 على يد المنقذين الذين جاءوا برايات الخلاص من ارتهان العراق لذلك النظام المغامر , لكنهم هم انفسهم اليوم يجرون العراق الى حرب ألعن و اقبح من احتلال الكويت او مواجهة الامريكيين في 2003 , هي ليست حرب العراق بالمطلق وتاتي وسط حالة من الانقسام و المكابرة و الاصرار على الاخطاء و الاخطار.
احزاب على شكل دويلات تدير دولاب البلاد لصالح فرد او دفاعا عن اخرين و تعرض " العراق الدولة " الى مخاطر العقوبات و النار و تشرع ابواب البلاد المنخورة اصلا لتكون ساحة اقتتال لاخرين . لقد اختارت ايران عزل العراق عن العالم مع بداية العام رسميا و قررت الدفع بميليشيات الى اعلان حالة حرب في العراق.
بينما يدشن العراقيون 2020 على ابواب من الصراع بعد استقالة مذلة لرأس الحكومة و الوزراء , لكن القادمين لن يغيروا هذه المسيرة دون تغيير هيكلة الدولة و تنظيفها من مخلفات الاحزاب و المحاصصة و ملاحقة الدولة العميقة للنظام الحزبي الفاسد منذ 2003.
رئيس الحكومة الجديد ايا كان لن يكون " سوبرمان " و لن يستطيع توفير الخدمات او فرص العمل دون اصلاح النظام السياسي و المالي الخارج من التصنيف و القريب من العقوبات الدولية المرتبطة بالتهريب و الفساد.
هذه الحكومة الانتقالية ينبغي ان تكون مهمتها اصلاحية محددة بتغيير قوانين رئيسة و اصلاحات دستورية واسناد القانون و انفاده وليست مهمات خدمية ، الخدمات لايمكن ان تقدمها حكومة من بنية نظام منخور بينما الحكومة اللاحقة الدائمة هي المطالبة بتقديم رؤية لا كما حدث مع حكومة المقال عادل عبد المهدي حيث هرب من تقديم موازنة الدولمرتين في 2019 و 2020.
يشهد العام 2020 سقوط اكبر حاجز خوف سيطر على طلاب الجامعات و الاعداديات منذ 50 سنة , كانت اخر احتجاجات طلابية ضد النظام سنة 1967 وبعدها تم القبض على الحركة الطلابية و إنهائها من قبل نظام البعث , لكن اليوم تظاهرة الجامعات لن تغير هذه الحكومة فحسب بل ستكون اعادة الحياة السياسية للعمل الطلابي في العقد الجديد.
يدخل 2020 على العراق بلا تخطيط ولا ملامح تحدد سياسات الدولة في العقد المقبل , لا اجابة على تساؤلات اين العراق من رؤية 2020 – 2030 ؟ أين هي المحفظة الاستثمارية للدولة العراقية في الخارج ؟ هل استثمرت الحكومة العراقية في مطارات او موانيء عالمية او عقارات او غيرها من المحافظ طويلة و متوسطة الامد؟
يتوهم من يعتقد ان " المسألة العراقية " قائمة على اختيار رأس الحكومة فقط , ان المرحلة التصحيحية تتطلب اختيار فريق عمل قيادي اداري لا سياسيا.
السياسة و الطائفية جلبت النار و العار في العراق و هناك حاجة ماسة الى ادارة و قيادات لاعادة تشكيل الدولة و هيكلتها بلا سياسة . نحن بحاجة الى فريق عمل و الى رؤية و شعار وهوية الى الغد.
رواندا التي عاشت حربا أهلية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي و خلفت دمارا شاملا ومرعبا ، هي مثال واضح للدولة التي اختارت شعار الغد اذ في فترة وجيزة تصبح مثالا عالميا يحتذى به في الأمن والأمان والتنمية وجذب الإستثمار لانها استبدلت خلافات السياسة و الطائفية بالاستمثار في الشباب و الادارة والقيادة.
الدرس العظيم الذي ينبغي لاي نظام سياسي تعلمه في العراق ان لا مجال للطائفية السياسية و اختطاف الدولة , وان زمن السياسيين التقليدين الذين يوقعون بريدهم و يخلدون الى النوم في منازلهم الفاخرة ولّى واصبح العراقيون حالهم حال اقرانهم من الجيران الذي ينمو بقوة ينتظرون قيادة ورؤية لا مزيد من السياسة و الفساد.
في 2020 لن يكون امام الساسة مبررا على اجترار الماضي بدوافع طائفية لتغطية محطات الفشل السياسي او تقديم انفسهم على انهم فرسان الدين و المذهب و القوميات من اجل خوض مغامرة جديدة او حرب وتقديم رقاب العراقيين ومصيرهم قرابين جديدة.
التعليقات