في هذه الصفحات نفحات من سير شخصيات كانت منارات مضيئة، وسطعت نجومًا في سماء بلادها والعالم. شخصية اليوم:
أمير الشباب
صاحب السّمو الملكي
الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود
راحلٌ.. أبى إلّا أن يبقى
ثمة رجالٌ أتوا لهذه الحياة ليتركوا أثراً خالداً ثم يرحلون، وكأنهم يؤدون أمانة أبت حملها السماوات والأرض، وحملوها هم بكلّ أمانةٍ واقتدار .
في صفحات التاريخ الكثير من الأسماء، غير أن القليل منها قضى ربك إلّا أن يكون لها الخلود المصحوب بالأثر المشهود.
كذلك كان أمير الشباب فيصل بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله؛
إذ جاء سريعاً ورحل سريعا، لكنه ترك ما يستعصي على الزوال.
ذلك التاريخ بصفحاته البيضاء، شحيح النفس على الناس، لا يتيح صفحاته إلا للنزر اليسير جداً من الأفذاذ، وحين يدخلهم في صفحاته يبقون أحياءً لا يموتون.
ولد أمير الشباب وعَرّاب الرياضة بالمملكة العربية السعودية والوطن العربي والعالم أجمع ، في الرياض عام 1365هـ- 1946م، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي فيها، وبعد تخرجه من الثانوية ابتُعِثَ إلى الولايات المتحدة الأمريكية،
والْتحق بجامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصادية عام 1390هـ- 1970م.
تعلق الأمير بالرياضة منذ القدم وهو في معهد الأنجال بالرياض؛ إذ مارس الرياضة بمختلف أنواعها،
كان شغوفاً بكرة القدم، وبعد عودته من رحلته التعليمية عُيِّنَ مديراً عامّاً لرعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية،
وفي عام 1394هـ- 1974م وافق جلالة الملك فيصل على إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب، وأمر بتعيين الأمير فيصل بن فهد رئيساً عامّاً لرعاية الشباب.
أحدث الأمير فيصل نقلةً نوعيةً ضخمة على مستوى الشباب والرياضة؛إذ كانت المرافق والمنشآت الرياضية شبه معدومة،وما زالت في بدايتها في فترة السبعينيات،فقام بأول خطة تنموية للنهضة بالرياضة السعودية من حيث المنشآت الرياضية،ومن حسن الطالع أن الملك سلمان كان حينها أميرًا للرياض وعونًا له، إذ كانت علاقتهما أكبر من علاقة العم بابن أخيه بل كانوا أصدقاء وإخوة بمعنى الكلمة.
قام رحمه الله على تطوير الكوادر الرياضية والأندية والبنية التحتية وأسهم في إحداث حراك تنموي ورياضي واجتماعي كبير،وأسهمت تلك الجهود في مساعدة الأندية الرياضية على تجاوز التحديات وبناء الملاعب الرياضية، وتنظيم الأحداث والفعاليات الرياضية، وقاتل لأجل أن يضاعف من دعم حراكه الشبابي والرياضي معنويًا وماديًا للرفع من مكانة الرياضة، واستقطاب المواهب الرياضية من الحواري والملاعب الترابية العشوائية إلى الأندية الرياضية للرفع من مستوى رياضة الوطن.
وقد تحققت إنجازات ضخمة في عهد الأمير فيصل، وشهدت الرياضة حراكاً ضخمًا غير مسبوق ، وتبوأت السعودية الصدارة في كل الفعاليات إذ تمكن المنتخب السعودي الأول من تحقيق بطولة كأس الأمم الآسيوية لأول مرة في تاريخه، وذلك في العام 1404هـ- 1984م.
ثم تمكن منتخب المملكة للناشئين بالفوز ببطولة كأس العالم للناشئين كأول إنجاز على المستوى العربي والآسيوي، بالإضافة إلى البطولات السعودية، فضلاً عن تأهل الأخضر لنهائيات كأس العالم عدة مرات كإنجاز كبير يضاف إلى سجل الرياضة السعودية في عهد رئاسة الأمير الراحل وماتلاه من عهود أخرى.
لقد استطاع الأمير فيصل بفضل فكره النيّر وحبه العميق لوطنه وشعبه وشبابه خاصة الارتقاء بمستوى الرياضة لأعلى مستوياتها في المملكة العربية السعودية، وأصبحت الرياضة السعودية في تطور مذهل، حتى وصلت إلى القمة في مشاركة المنتخب السعودي في نهائيات كأس العالم في أمريكا عام 1414هـ- 1994م.
وقدم المنتخب السعودي عروضاً مذهلة أبهرت العالم أجمع، حتى وصل إلى الدور 16، وخرج بعد أن قدم صورةً عظيمة مشرفة عن المملكة العربية السعودية.
لقد آمنت القيادة السعودية بفكر الأمير فيصل بن فهد وبقدرته القيادية في النهوض برياضة الوطن،
وبإبراز المواهب الدفينة المختبئة من أبناء الوطن، في الحارات والقرى والفِرق المحلّية حتى أصبحت المملكة العربية السعودية وجهةً لأفضل المحترفين الأجانب الذين ساعدوا اللاعب السعودي في إبراز إمكانياته ومواهبه.
تقلد الأمير فيصل بن فهد مناصب رياضية وثقافية واجتماعية وخيرية محلية وإقليمية ودولية تربو على العشرين منصباً كان فيها الرئيس، والفاعل المؤثر.
ولم يقتصر دوره على النهوض بالرياضة السعودية، فحسب بل أسهم إسهاماً فاعلاً في النهوض بالرياضة الخليجية والعربية والعالمية،
تقلد الأمير فيصل بن فهد مناصب رياضية وثقافية واجتماعية وخيرية محلية وإقليمية ودولية تربو على العشرين منصباً كان فيها الرئيس، والفاعل المؤثر.
ولم يقتصر دوره على النهوض بالرياضة السعودية، فحسب بل أسهم إسهاماً فاعلاً في النهوض بالرياضة الخليجية والعربية والعالمية.
قال عنه الشيخ عثمان الصالح مدير معهد الأنجال، وقد أشرف على تعليمه من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية:
في التنبؤ بتفوقه وتميزه:
«كان متأثراً كثيراً بشخصية والده خادم الحرمين الشريفين، وسعى لأن يتقمص منه الشيء الكثير،
وأيضا شخصية عمه الأمير سلطان بن عبدالعزيز،
وتحديداً في موضوع الخطابة،إذ كان رحمه الله رياضياً أدبياً وأديبًا مثقفا وقياديا، ومتحدثًا بلباقة وسرعة بديهة وخطيبًا مفوّهًا وهذه الأمور كانت معه في حياته التعليمية،واستمرت حتى وافاه الأجل،ولو أردنا أن نتحدث عن فيصل بن فهد الطالب والرئيس العام لرعاية الشباب لملأنا المجلدات والكتب.
كان رحمه الله كان يقدر العلم وأهله.
ولأن الأبطال يتركون الأثر الخالد سريعاً تراهم يرحلون سريعا،بعد أن أدوا الأمانة،وأنهوا مهمتهم على أكمل وجه،وعلى الآخرين أن يسيروا على نهجهم، ويحافظوا عليه، ويضيفوا إليه، خلّف من بعده ابنه المثقف والشاعر الأمير نواف الذي كان شبهًا له في كل شيء.
فُجِع الوسط الرياضي في الوطن العربي كافة بنبأ وفاة أمير الشباب يوم السبت العاشر من جمادى الأولى عام 1420هـ الموافق 21/8/ 1999م إثر نوبة قلبية، وما زلت أتذكر الوجوم الذي أصاب الشارع السعودي طوال أيام الفجيعة،
كان الحزن حقيقيّاً على نابغةٍ حقيقي ترك لعالم الرياضة أثراً حقيقيّاً سيماه الخلود.
الأمير فيصل بن فهد من القلائل الذين اجتمعت فيهم صفات (القائد العدل) و(الفارس المقدام)،وهذان رحيلهما يفجع القلوب،
كان رجل دولة بكل ماتحمله الكلمة من معنى وكان إنسانًا بحق وأياديه البيضاء في كل مكان
وفي مثله قال الشاعر:
إذا ما ماتَ ذو عِلمٍ وتقوى
فقد ثُلِمَتْ من البنيانِ ثُلْمَةْ
وموتُ القائدِ العدلِ المولّى
جليلَ الأمرِ منقصةٌ ونِقْمَةْ
وموتُ العابدِ القوّام ليلاً
يُناجي ربَّه في كلِّ ظُلْمَةْ
وموتُ فتىً كثيرِ الجودِ مَحْلٌ
فإن بقاءَهُ خَصْبٌ ونِعمَةْ
وموتُ الفارسِ المقدامِ هَدْمٌ
فكم شَهِدتْ له بالنصرِ عزمَةْ
فحسبُك خمسةٌ يُبكَى عليهمْ
وباقي الناسِ تخفيفٌ ورحمَة
قبل رحيله بأيام كان زيارةِ ودعمِ دارٍ للأيتام في الأردن.
رحل الأمير فيصل بن فهد جسدا، وما تزال روحه تُحلّقُ في سماء كل نجاح تحققه الرياضة السعودية.
هو القائد الذي اتفقت القلوب على محبته، وآمنت بأثره ومآثره وصدقه وبذله، وتمر الأيام ويزداد إيماننا بما تركه لنا من إرث رياضي لا ينفد.
خمسة وعشرون عاما حافلة بالإنجازات الرياضية المدهشة، والبطولات المدوّية، والأسس الراسخة التي قامت عليها رياضتنا الحاضرة، وكل رياضة آتية.
لم يكن إداريا فحسب، بل كان قائداً فذّا، ورائداً من أهم روّاد الرياضة الحديثة في العالم.
عزاؤنا في الخلف الكريم الذين جاؤوا من بعده، وحملوا الراية مقتفين أثره، سائرين على نهجه، محققين بقية أمانيه وأمانينا.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عنّا وعمّا ترك خير الجزاء.
التعليقات