ربما لا يختلف اثنان من المراقبين الموضوعيين على أن أكثر ما تحتاجه سوريا وشعبها في الظروف الراهنة هو الهدوء والاستقرار بعد نحو عشر سنوات من الصراع والحروب والمواجهات، التي تسببت في تشريد ونزوح ملايين السوريين، حيث تشير التقديرات الأممية إلى أن الأزمة التي يعانيها هذا البلد العربي العريق قد أدت إلى لجوء أكثر من 6 ملايين سوري إلى نحو 125 دولة، تتركز غالبيتهم في دول المنطقة العربية والجوار السوري، وتبلغ نسبة هؤلاء اللاجئين نحو 9% من إجمالي عدد اللاجئين في العالم! وربما لا تخفى على الكثيرين أوضاع هؤلاء اللاجئين والنازحين ومعاناتهم من استمرار المعاناة المعيشية، وبالتالي فإن الأمر قد يطرح وجهات نظر متعددة على صعيد النظر إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً في سوريا، التي عارضتها الكثير من القوى الدولية، بدواع وأسباب مختلفة.

وبعيداً عن السجالات والنقاشات التي دارت حول ظروف هذه الانتخابات ودلالاتها والظروف التي اُجريت فيها وموقف الشعب السوري في الداخل والخارج، حيالها، فإن الواقع يقول أن وجود الرئيس بشار الأسد ودوره في المرحلة الراهنة وحتى استئصال فلول الارهاب من الأراضي السورية قد يمثل ضرورة حيوية لمستقبل هذا البلد العربي الشقيق من وجهة نظر البعض على الأقل، سواء سعى الرئيس الأسد من خلال هذه الانتخابات إلى تأكيد شرعية حكمه، أو لكسب شرعية سياسية جديدة لقيادة سوريا خلال المرحلة المقبلة.

بعض الأقلام بادرت إلى اتهام قطاع من الناخبين السوريين الذين اصطفوا أمام لجان الانتخابات بانهم أسرى "متلازمة استوكهولم"، بينما اعتبرهم البعض الآخر "مسلوبي الإرادة" و"أسرى الخوف" من دون أن يدرك أحد أن من حق هؤلاء الناخبين، وجميع الشعب السوري، بأن يحلموا بعودة الأمن والأمان إلى ربوع بلادهم بغض النظر عن معايير العالم من حولهم وتقييمه لما حدث وماجرى على أرض بلادهم خلال السنوات الماضية.

ربما أراد الرئيس السوري قد سعى إلى اقناع العالم بأن هناك نوع من الاستقرار في سوريا، أو على الأقل داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا فإن أي شكوك تطرح حول تأثير هذه الانتخابات في الظروف الراهنة ربما لا تصب في مصلحة سوريا، الدولة والشعب، فالحديث عن تغيير النظام أو عدم منحه الشرعية السياسية والدستورية في الوقت الراهن يمثل اجتراراً لكل مظاهر الأزمة السورية منذ بدايتها، والأمر هنا لا يتعلق بشرعية الأمر الواقع ولا تجاهل أخطاء هذا النظام ولا دوره في الأزمة، ولكن من يريد المضي للأمام في البحث عن مخارج واقعية من النفق الذي تعيشه سوريا، عليه أن يفكر بهدوء وعقلانية بعيداً عن المواقف الدولية، التي لم تقدم شيئاً لسوريا وشعبها منذ عقد كامل، وعليه أيضاً أن يضع مصلحة ملايين السوريين في الملاجىء ومناطق النزوح نصب عينيه.

وسواء كان الرئيس الأسد قد حصل بموجب هذه الانتخابات على شرعية حقيقية أم "زائفة" أم أن الأمر برمته عبارة عن "مسرحية" كما يقول معارضوه، فإن علينا أن نتذكر أنه كان رئيساً لسوريا قبل الانتخابات، والوضع بعدها لم يتغير، وبالتالي لا يجب التوقف عند هذه المحطة التي لم تغير شيئاً فعلياً من الواقع على الأرض رغم ماقد تنطوي عليه من أبعاد سياسية واستراتيجية، والمضي قدما نحو ايجاد السبل لعودة سوريا إلى حاضنتها العربية ودورها الاقليمي لأن الدرس الأهم الذي اعتقد أننا جميعاً تعلمناه من تجربة الفوضى التي عمت المنطقة العربية منذ عام 2011 هو أن الدولة تبقى حائط الصد الأهم في مواجهة التنظيمات والميلشيات الفوضوية، الارهابية والمتطرفة، وأن البديل لانهيار الدول هو صعود التنظيمات والجماعات وهيمنتها على مقدرات الشعوب بكل ما يعنيه ذلك من تبعات وكوارث لا يزال الجميع يرى بعينيه آثارها السلبية الخطيرة في دول عربية عدة حتى الآن.

لا أريد الظهور بمظهر من يقدم الدعم والتأييد للرئيس السوري، ولكنني لست بصدد التوقف عند نقطة رفض أو قبول النظام أو حتى التعايش معه، بل يهمني بالدرجة الأولى مستقبل سوريا، الدولة والشعب، وأن تعود رقماً فاعلاً في محيطها الاقليمي، باعتبار ذلك سبيلاً لاستعادة ركائز الأمن والاستقرار، واعتقد أن مجرد تنظيم هذه الانتخابات، بغض النظر عن أي معان وأبعاد سياسية وتنظيمية أخرى، يمثل دلالة من دلالات وجود حد معين من الأمن والاستقرار وانتشال سوريا من مصير صعب ومعقد وغامض بكل المعايير.