في زمن تتسابق فيه عقارب الساعة، وتتشابك فيه خيوط الحياة العصرية بتعقيداتها المستمرة، تبرز امامنا صورة الاسرة الحديثة، محاولة جاهدة للموازنة بين متطلبات العمل والمسؤوليات الأسرية. في هذا السياق، يطرح السؤال نفسه بإلحاج، هل نحن بحاجة الى إعادة تعريف دور الامومة في مجتمعنا؟
تتجلى امامنا فكرة جريئة ومبتكرة، تحمل في طيأتها الكثير من الجدل والتساؤلات، وهي فكرة" الام المستأجرة". هذا النموذج الجديد للرعاية الاسرية يقدم حلا محتملا للأزواج العاملين الذين يجدون أنفسهم مشدودين بين مطرقة الوظيفة وسندان الواجبات الابوية. فهل يمكن لهذا الابتكار ان يكون الملاذ الآمن للأطفال. ام انه يفتح بابا لتحديات جديدة قد تؤثر على نسيج الاسرة العاطفي والاجتماعي؟
طبعا في زحمة الحياة العصرية، حيث تتسارع الخطى وتتلاحق الأوقات، يجد الزوجان أنفسهما في متاهة من الالتزامات والمسؤوليات المهنية التي تستنزف الوقت والجهد، مما يترك فراغا في جدار الاسرة يصعب ملؤه. الامومة والابوة، تلك المهام السامية التي لا تقدر بثمن، تصبح في خضم هذا السباق مهددة بالتهميش. وهنا تبرز الحاجة الى فكرة قد تبدو غريبة في البداية، لكنها قد تحمل في طيأتها حلولا لمشكلات عدة، الام المستأجرة.
وظيفة قد تكون ثورية في عالم الرعاية الاسرية، حيث تُعين الأسرة امرأة تتمتع بالخبرة والحنان والقدرة على التربية، لتكون بمثابة الام الثانية للأطفال في غياب الوالدين، هذه الام لا تقتصر مهامها على الرعاية الجسدية فحسب، بل تمتد لتشمل التربية النفسية والعاطفية والتعليمية، في ظل الانشغال الدائم، يصبح الأطفال في كثير من الأحيان ضحايا للإهمال غير المقصود. الام المستأجرة تأتي كحل مبتكر لسد هذا الفراغ، موفرة الاهتمام والحب والدعم الذي يحتاجه الطفل لينمو نموا سليما.
قد تبدو هذه الفكرة في بدايتها شيء من الجنون وعدم قبولها، انما نحن في زمن تتساوى فيها الحقوق بين المرأة والرجل في العمل والفرص، وعلى إثرها تغيرت نمط الحياة الاسرية، ومعها تزايدت حالات الانفصال والطلاق، في سباق نحو الحقوق. وغابت معها واجبات تفرضها الحياة الزوجية.
قد يرى البعض في هذا الحل تجاريا بحتا، لكن النظرة العميقة تكشف عن إمكانية تقليل المشكلات الاسرية وحالات الانفصال التي قد تنجم عن الضغوط الناتجة عن تربية الأطفال، الام المستأجرة قد تكون العون الذي يحتاجه الزوجان للحفاظ على استقرار الاسرة وسعادتها.
تتطلب وظيفة الام المستأجرة مجموعة متنوعة من المهارات والتأهيلات لتكون قادرة على تلبية احتياجات الاسرة والأطفال بكفاءة. يجب ان تمتلك الام المستأجرة مهارات تربوية ونفسية للتعامل مع الأطفال، وقدرة على توفير الدعم العاطفي والتعليمي، كما يفضل ان تكون لديها خبرة في مجالات مثل التغذية والاسعافات الأولية وتطوير مهارات الأطفال.
على ان يتضمم التدريب والتأهيل من البرامج التي تقدمها المؤسسات المتخصصة في تأهيل العاملين في مجال الرعاية الاسرية، وأيضا مجالات فهم نمو الطفل وتطوره، وكيفية التعامل مع السلوكيات المختلفة، وتقديم الرعاية اليومية. لأن هذا العمل ليس بالسهل فمن الضروري ان يكون الراتب الشهري للام المستأجرة بناء على معايير السوق والمتطلبات الخاصة بكل اسرة، وحتى تكون هذه المهنة محفزة للنساء اللاتي يجدن لديهن القدرة القيام بواجبات الام، ان تكون عقود العمل مضمونة الحقوق والواجبات وتوثيق العقود، من مكاتب مخصصة لضمان الشفافية والمهنية، على ان يشمل تفاصيل مدة العمل، والراتب والاجازات والتأمينات الاجتماعية والصحية.
الهدف من وظيفة الام المستأجرة هو توفير بيئة ناعمة ومحبة للأطفال، مع الحفاظ على القيم والمبادئ الاسرية، كما ان الام المستأجرة ليست بديلا عن الوالدين، بل هي دعم إضافي يساعد في توفير الرعاية اللازمة للأطفال في ظل الظروف الحديثة.بالتأكيد فكرة الام المستأجرة تثير العديد من التساؤلات حول العلاقة العاطفية بيم الطفل وهذه الام البديلة، وكيفية تأثير ذلك على نفسية الطفل وهويته الاسرية.
ويبقى السؤال معلقا في فضاء النقاش الاجتماعي، هل نحن فعلا بحاجة الى ابتكار وظيفة الام المستأجرة؟ ام ان الحل يمكن في إعادة ترتيب اولوياتنا الحياتية لنضمن لأطفالنا الحضن الدافئ والرعاية الكاملة التي يستحقونها.
التعليقات