اعادني الكاتب والناشط السياسي المصري مدحت قلادة في مقاله الجديد بصحيفة ايلاف الدولية "قساوة وطن" الى حوار اجريته معه في نهاية العقد الاول من القرن الحالي في برنامج "لنتحاور" من فضائية كوردستان حول مسألة التداخل بين الدين والوطن والانتماء في بلداننا، حيث تحول الوطن في ظل مختلف انواع الانظمة الحاكمة (ملكية وجمهورية وديمقراطية ودكتاتورية واسلامية) الى مجرد شعارات ومهرجانات واغاني واناشيد لتمجيد القائد او الحزب او الدين والمذهب، بعيدا عن اي مفهوم للمواطنة التي تنضوي تحتها كل هذه المسميات او الكائنات، فهي بالتالي اصغر منها بكثير، لكنهم اي اصحابها عملوا لسنوات طويلة على تقزيم الوطن واذابته في شخص دكتاتور او في كيان حزب مهما كبر أو صغر لن يتجاوز الا نسبة ضئيلة من مجموع ابناء وبنات الوطن، وتحدثنا في حوارنا عن كيفية اقحام الدين في السياسة وشؤون الدولة وكيف يحق لنظام او حزب او مجموعة فرض تعاليم دين بذاته على مواطني تلك الدولة متعددة المكونات الدينية والمذهبية، وفي ذلك قال الزميل قلادة كيف لنا ان نمزج او نخلط الدين بالنجاسة؟
وحينما سألته عن النجاسة قال الدين قداسة والسياسة نجاسة، فكيف يحدث ذلك، متهما السياسيين في شرقنا بالتعاون مع بعض ممن يسمون انفسهم رجال الدين بممارسة النجاسة ويقصد فيها التحايل والكذب وربما التنافس غير الشريف من اجل الوصول الى السلطة، والوصول الى السلطة في بلداننا تستخدم كل المعاصي من اجل الكرسي، حتى وان كانت عبر ما يسمى بصناديق الاقتراع، وهي بذلك تبتعد كل البعد او تتقاطع بالمطلق مع المرتكزات الاساسية للدين الذي يعتمد أسس قيمية وروحية مقدسة لا يمكن التلاعب في ثوابتها، ومجرد ادخاله أو استخدامه في السياسة كاحزاب او مجموعات سياسية غرضها الوصول الى دفة الحكم هو تدمير لكيان الدولة وتحويلها الى دكتاتورية تحرق الاخضر واليابس، وتشويه للدين ونقائه الروحي، وبالتالي فان هذا النمط من الانظمة التي تُقزم الاوطان وتذيبها في شخص دكتاتور أو في كيان حزب سياسي او مذهب ديني او دين بذاته على حساب المواطنة التي تضم مختلف مكونات المجتمع عرقيا وقوميا ودينيا ومذهبيا، تؤدي الى انماط من القساوة التي تحدث عنها مدحت قلادة في مقاله (قساوة وطن)، تلك القساوة التي انتهت الى جرائم للابادة الجماعية (Genocide) والتطهير العرقي (Ethnic cleansing) كما حصل في كوردستان العراق فيما سٌمي بالانفال وحلبجة، او مثيلاتها التي تعرض لها الايزيديون عبر تاريخهم هم والارمن في كوردستان تركيا والعراق، وفي كل هذه الجرائم تم مزج الدين بالسياسة معتمدين على فتاوى منحرفة او اطلاق اسماء ايات قرآنية على تلك الجرائم، كما في (الانفال) التي استخدمت كعنوان لجرائم تهجير الكورد وتغييب ما يقرب من مائتي الف مواطن مدني ودفنهم احياء في صحراوات جنوب ووسط العراق، وكذا الحال في جرائم منظمة داعش الارهابية ضد الايزيديين في كارثة سنجار عام 2014م التي راح ضحيتها الاف القتلى وسبي آلاف النساء والاطفال باستخدام نصوص دينية في وطن تهيمن عليه احزاب دينية مذهبية لا تقبل الآخر وتتحمل وزر تغييب الاف مؤلفة أخرى من الرجال والشباب دونما محاكمة لا لسبب الا لكونهم من طائفة دينية مغايرة لهم.
اوجاعنا في الوطن لا حصر لها، فقد تبعثر الوطن بين الدين والمذهب والعشيرة والحزب والقرية والشيخ والدكتاتور، واصبحت الوطنية في ظل هذه الكائنات مجرد اغنية او نشيد او شعار اجوف أو سلم لأعتلاء كراسي السلطة ليس الا!

[email protected]

ما بين النجاسة والقداسة أضاع الاسلام السياسي مفهوم الوطن والدين