شهر رمضان من كل عام لا يكون أبدا شهر التسامح والسلام والمحبة والتضامن والرحمة والغفران مثلما يتمنى ذلك المسلمون في جميع أنحاء الأرض. وفي العديد من أشهر رمضان، حدثت مجازر، وارتكبت جرائم فظيعة كان مسلمون متطرفون ضالعين فيها، وصدرت وتصدر فتاوي غريبة وعجيبة تبيح القتل والذبح وتزويج البنات في سن العاشرة وتحريم الموسيقا والغناء والرقص وارتداء الجوارب البيضاء ورجم المتهمات بالتمرد على "قيم الإسلام الحنيف" و"تدنيسها"، وجلد المفطرين وسجنهم...

وهذه السنة أصدرت وزارة الشؤون الدينية التونسية بيانا تطلب فيه من الناس أن يقضوا الليل في التهجد فلعل ذلك يخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية التي منها يعانون، ويخفف في الأسعار التي أضحت من نار في بلاد "ثورة الكرامة والحرية". ولا تدري الوزارة المذكورة أن قضاء الليل في التهجد ستكون له عواقب وخيمة اقتصادية واجتماعية لأن الكثيرين سيجدون في ذلك تعلة للمزيد من الكسل والخمول واهمال العمل.

وفي كل سنة تبرز دلائل لتؤكد مرة أخرى أن أوضاع المسلمين تزداد سوءا يوما بعد يوم، بل قد تصبح أوضاعهم أسوا مما كانت عليه في عصور الانحطاط والتخلف... وقد بات مألوفا أن يفتح الواحد جريدة أو يشعل راديو أو تلفزيونا، لكي يصطدم بأخبار مُفزعة ومفجعة تتصل بالإسلام، وبالمسلمين. وفي رمضان هذه السنة، قام مُتطرف يميني من السويد بحرق نسخة من القرآن أمام مناصريه في مدينة لوند. وهو عازم على تجديد هذه العملية في العديد من المدن السويدية الأخرى. وقد احتجّت على ذلك بعض الدول العربية مثل العراق. غير مثل هذا الاحتجاج لن يكون له أيّ وقع. وكان من الأفضل أن يبحث المسلمون أنفسهم عن الأسباب التي دفعت بالمتطرف السويدي إلى مثل تلك العملية الشنيعة. وأول هذه الأسباب هو أن المهاجرين من العالم العربي والإسلامي اقترفوا في البلدان التي فيها يقيمون جرائم إرهابية فظيعة وهم يصيحون: "الله اكبر.. الله أكبر". وهناك من بين هؤلاء المهاجرين من لا يحسن قراءة الفاتحة أو سورة أخرى من القرآن لكنه باسم كتاب الله يذبح ويُفجّر نفسه في محل تجاري، أو في قطار، أو في شارع مزدحم، او في كنيسة، أو في ملهى ليلي، ليتساقط الضحايا بالعشرات. السبب الآخر هو أن جل الدول العربية والإسلامية لا تهتم بجالياتها ثقافيا فلا تقيم لها نواد ترتادها للتعرف على مختلف جوانب ثقافتها الوطنية، أدبا كان أم مسرحا ام موسيقا أم فنونا تشكيلية أم سينما... بل هي تهملها فلا يكون لها في النهاية سوى ارتياد تلك المساجد التي يسيطر عليها متطرفون، يبيحون لأنفسهم نشر الفتن، والمواعظ التي تحرض على الصراعات بين الأديان، وبين الغرب والشرق، وحتى بين المسلمين أنفسهم. بل قد لا يتردد هؤلاء في مباركة الأعمال الإرهابية، والثاء على مرتكبيها، ووعدهم بحور العين، وبأنهار من لبن ومن عسل مصفى.

وبسبب كثرة المواعظ والفتاوي الصفراء، لم يعد بالإمكان تمييز الصالح من الطلح، والمُباح من المحرم، والسيء من الحسن في عالم إسلامي يتخبط في الأزمات فلا يخرج من واحدة إلاّ لكي يغرق في أزمة جديدة قد تكون أسوأ وأمرّ من سابقتها. وبسبب هذه الفوضى التي تزداد استفحالا يوما بعد آخر، بات دعاة التطرف والارهاب الأعمى يتحّكمون في مصير المسلمين. فإن حاول أحد، أو مجموعة التصدي لهم، أشهروا أسلحتهم مهددين متوعدين باعتبار أنهم وحدهم يمثلون روح الشريعة الإسلامية.

ولو نحن تمعنا في أفعال هؤلاء المتطرفين لاستنتجنا من دون بذل أيّ مجهود يُذكر، أنهم هم الذين يسيئون للإسلام بالدرجة الأولى. وقد يسيئون له أكثر من أعدائه أنفسهم. وخلال العقود الأخيرة، ألحقوا به أضرارا جسيمة قد لا يتمكن الزمن من محوها بسهولة. ويتفنن المتطرفون في التأكيد للناس على أنهم قادرون على تحقيق العدالة والحرية ورفع المظالم إلاّ أن الأيام سرعان ما فضحت أكاذيبهم، وطرقهم البغيضة في الخداع وبيع الأوهام.

وما يثير الخوف والتعجب هو أن جل الدول الإسلامية تبدو وكأنها عاجزة عن التصدي لهؤلاء المتطرفين. أما النخب الفكرية والثقافية فتخشاهم. لذا هي تتحاشى مقاومتهم بنفس الشجاعة التي تسلح بها المفكرون الغربيون لمواجهة المتطرفين في بلدانهم... وما دامت الأوضاع على هذه الصورة فسوف يظل رمضان مُجردا من قيمه الروحية والإنسانية.