لا ادعي الغيب والتنجيم والسحر، ولا انتمى إلى مجتمع الاستراتيجيين الذين يتصدرون الشاشات والفضائيات بخزعبلاتهم وضجيجهم المزعج. ولست عرافا للتنبؤ بمنطق الخوارق، لكنها خبرة باحث مستقبلي مبرمج على خوارزميات التحليل المبني على "المحتمل" و"الممكن" و"المفضل “، ومهارات بناء السيناريوهات المختلفة؛ "الحدس" و"النموذجية" و"التفاعلية" السائد في منهج علم المستقبل.
قد يكون ما استنتجه غريبا في بعض الأحيان لدى البعض لأنهم داخل ثقافة التأثير الإعلامي، وإطار الصور المقولبة الشائعة بسبب طوفان المعلومات، وضعف في مَصدّات الوعي المعرفي. لذلك ضحك الكثير عندما توقعت "الربيع العربي" قبل سنوات من الزلزال: سيتم استثمار الشبكات الإعلامية الرقمية في إزاحة النظم العربية من خلال الثورات في الوطن العربي (كتابنا: احتلال العقول 2016)
ومثلما ضحك البعض على ما توقعته بقيام "الربيع العربي"، فأن البعض من أصحاب الطب والعلم استهزئ بما قلته عن فيروس كورونا. لقد قلت كباحث علمي، ولست طبيبا بشأن توصيف الظاهرة بأن كورونا سيختفي تدريجيا لأن لديه عمر محدد، وسنفقد وجوده معنا فجأة (ألف باء،11مارس،2022)، وهو تحليل واستنباط من التاريخ، حيث انتشر في إسبانيا في العام 1919، فقتل الملايين، لكنه اختفى فجأة من حياة الناس. وهاهو اليوم يختفي تدريجيا، ومعه تساؤلات كثيرة، بعضها بمنطق المؤامرة، خاصة بعد نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والبعض الآخر بمنطق الاجتهاد أو المعرفة العلمية.
مثلما توقعت في بداية انتشار الوباء بأن الشركات والدول الكبرى لن ترفع يدها عن العباد بسهولة إلا وتدخلهم في أنفاق مختلفة، وتأخذ ما تبقى من نقودهم: هناك لعبة تمارسها الدول مع جينات البشر لتقليل السكان أو استثماره لتجارة اللقاح.. وكما أرى فأن البشرية ستبقى تحت كابوس الفيروسات الجديدة، وسنبقى نعيش دوامة قلق التفكير ورعب المستقبل. وسنرى بين كل فيروس فيروسا جديدا؛ صيني وأفريقي وهندي وأوربي وبرازيلي وأسيوي. (الزمان يوليو 12 2021). مثلما قلت في عام 2020 بأن العالم "سيشهد تناسل للفيروسات، وسيكون قرينا للبشر في المستقبل. عالم ينتهي بكورنا، وآخر يتشكل بالفيروسات الجديدة (إيلاف ،27 ديسمبر 2020)
أما العراق ومصائبه وأزماته، فله قصة متفردة في التحليلات والتوقعات. فقد خاب ظن المواطن بالمحللين الاستراتيجيين الذين ملأوا المشهد العراقي بضجيج ترسيخ فكرة الأغلبية الوطنية في العقول، وعدم تنازل التيار الصدري لهذا المطلب. فاكتشفنا فجأة إننا نعيش حالة تخدير سياسي، وثقافة مغلقة لا تقبل الاجتهاد والتفسير، حيث سمعنا ما كنا لا نريد سماعه، ونُصدّق مالا نصدق بأصوات المفرقعات السياسة. عدنا إلى المربع الأول محاصصة طائفية، وتوافقية سياسية.
شخصيا، فقد كنت لا أصدق طنين القادة وصفير السياسيين، ولم أؤمن يوما بأن ما يحدث هو الأحسن والأصدق لأن المشهد السياسي فيه من الأسرار الخفيّة، والقنابل الموقوتة، والخداع والتمويه السياسي المبرمج بالمصالح والتكتلات وتقسيم الغنائم.
سَأذّكر القارئ بمختصر الأفكار بما قلته قبل الانتخابات ومابعدها في مقالات مختلفة. بعض القراء والزملاء أكتشف ما بين السطور بذكاء، والبعض الآخر وجد فيها هلوسة سياسية، ومنهم لم يقرأها واكتفى بوضع "لايك" للمجاملة والمحبة.
مما كتبته: أقول بلغة الحدس وتراكم التجارب، بأن السياسة مصائد، وأخلاق ساقطة، وما يجري هو توريط للآخر، وكشف لأوراقه ونياته المبطنة. فلا أحد يصدق إن إيران غير قادرة على تحريك الدمى، وقطع أصابع العابثين بالمصالح والمغانم! وقلت أيضا: أنا يائس لما يحدث اليوم من بهلوانيات سياسية أنفاقها مظلمة، وأبوابها مغلقة، وأسرارها الغاز تشبه لعبة الكلمات المتقاطعة .وما نراه في السماء إلا سحابة سوداء لا تمطر لنا سوى الفقر والدم، ورصاص الموت، وكاتيوشا تعبث بالسماء والأرض، وصواريخ عبثية للفوضى والدمار. (الزمان،13 فبراير 2022)
وفي مكان آخر قلت: إن جعجعة السياسيين والإعلام لن تفضي إلى ما هو ظاهر للعين، ولاتصدقوا المنجمون من أهل السياسة، وهم كثر اليوم، مثل القارضة التي تنخر بالجدار. لا تصدقوا القادة لأنهم يحلمون وأغطيتهم مكشوفة أثناء النوم كما يقال في الأمثال. هناك لعبة خطيرة يراد منها خلع ملابس الآخرين، وأشغال الشعب بقوة الضجيج السياسي المقرون بالكلام والتفجيرات والتهديد بالقتل. يخطأ من يقول إن ما يحدث هو صرخة جديدة لا تشبه الصرخات القديمة، أو هو فرج جديد يوقف نزيف الدم والدمار، لأن الفرع واحد، وان تفرعت منها فروع ميتة أو مخضّرة بالجينات الغريبة. ما يخفى في السر يشيب الرأس. وماخفي أعظم! (الزمان ،21يناير ،2022) وقلت أيضا بثقة: عراقيا، ستبقى إيران اللاعب الكبير في صنع السياسة العراقية، والتأثير على اختيار المرشحين للرئاسات الثلاثة. نعم ضعفت في بعض الجوانب لكنها ما زالت تناور للخداع والتمويه بخصوص دورها ومستقبلها. ولن تكون هناك حكومة اغلبيه بل حكومة توافقية. وربما تتغير التسميات ترضية للجميع. فهناك لعبة سياسية لتقاسم الأدوار، وهذه الأدوار هي من صنع حارس البوابة الأجنبي. ولن يتمكن أصحاب الأغلبية من مواجهة الأعاصير لأنهم أصلا من الأصل وليس الفرع. كلهم شركاء ولهم نفس الأجندات ولكن بألوان مختلفة. (الزمان،27 ديسمبر 2021)
بالمختصر العراقي، وبمنهج الواقع والعقل، لن يعود العراق إلا بخلطة العطار؛ خلطة البيوت الطائفية، وعودة للشرقية والغربية. ربما نجد في قادم الأيام شوارع تمتلئ بالشباب، وشوارع مغلقة بالسلاح والعسكر، وطقاطيق رقمية. سنرى خلطة عطار قديمة يتم تدويرها حسب مؤشرات البورصة؛ صعوداً وهبوطاً. الأكيد أننا سنرى ما رأيناه وجربناه في سنوات الجحيم والأحزان، ولن نرى جديداً إلا في كوابيس الأحلام!
لم يَعُد في عراق "الديمقراطية" سوى أصوات المفرقعات السياسية الصوتية الفاشوشية، أصوات نشزّه وقبيحة ومتنافرة نسمعها يومياً في ظل غبار الوجع العراقي المزمن، وتحت ظلام العراق الدامس؛ دارنا يمتلئ بسياسيين ثُول وغُبر وهُبل يرسمون مستقبل العراقي بالشخابيط والكصاصيص والطقاطيق والخرابيش!
[email protected]