عجبتُ من بعض الأشخاص الذين يدْعُون إلى الإيمان والتبهّل للخالق عزّ وجل، وهم في قرارة أنفسهم بعيدون عن مفهوم الدين والدنيا، وزد على ذلك أنهم يمكرون في ذلك، وينعتون أي من المحبين لدينه أو القائمين عليه بصنوف مختلفة من الكلمات الجارحة المهينة لأنهم لا يقفون على الحياد فحسب، أو مع وضد، وإنما لا يحترمون أسسها وكل يدعو بطريقته!
ومن أولئك الذين يقرؤون الغيبيات، ويضحكون على ذقون شريحة من البشر، ويدركون تماماً أنَّ لغتهم الخبيثة ـ لغة الدجل ـ أكثر ما تسيطر عليهم وعلى عامّة الناس الذين يلجأون إلى أمثال هؤلاء المشعوذين المتنكرين بصور إنسانية بغيضة، وبالنتيجة ما يخدعون إلا أنفسهم!


ومن بعض الأشخاص الذين يُمارسون أعمالاً حرفية عادية جداً، ويتفاخرون بخبراتهم، وإمكانياتهم اللامحدودة في التغلب على خصومهم في العمل، وبدون أدنى مقدرة على قيامهم بواجبهم حيال هذا العمل وقداسته، وهم هكذا يرمون الآخرين بنظرات خبيثة ومبطنة، ويُراد منها فرض شخصيتهم، ومقدرتهم في واقع يتطلب التعلم والانتباه، ومن خلال التعلّم يمكن أن تأتي المعرفة ويرافقها من ثم الإدراك الكامل لها.
إنَّ إرضاء صاحب العمل مطلب ملحّ، وتحسين الوضع المادي أيضاً يتطلب منا أن نكون حريصون على مبادئنا، في بلاد أوربية صار الكثيرون منا ينتمون إليها، ولا يمكن أن تعرف طريقاً إلى الحياة إلّا من خلال إبراز شخصيتك، وإن كنت جاهلاً بما تقوم به وبعيداً عن قناعاتك، ولكن عليك أن تعي ما تقوم به، وتظهر للآخرين مدى معرفتك بما تقوم به، وإن كنت تجهل ذلك حفاظاً على مكانتك واستمراريتك أولاً!

...
وعجبت من شخص يرمي الناس بسهام ثاقبة، وقد تصيب في بعضها، وفي بعضها الآخر قد تكون قاتلة، لدرجة أنّه لا يمكن بمقدورك أن تفعل شيئاً رغم معرفتك بأنه يريد أن يحطّ من قدرك، ما يضطرك إلى الامتثال لكل ما يقوله، وفي نهاية المطاف يصوّر لك حالات هي أشبه ما تكون إلى عدم الرضا، والفجوة التي يحدثها تظل بعيدة عن مفهوم العلاقات الإنسانية الوجدانية. سعيه هذا ليكون قريب إلى قلوب الناس الذي ينظرون له على أن قصوره في هذا وما يرغب به بعيد المنال، وتحقيقه يتطلب أشواطاً بعيدة، ولهذا تراه يحاول الاقتراب منك أكثر، ويوهمك على أن كل ما تبوح صحيحاً وهو في دخيلة نفسه لا يأخذ لا بهذا و لا بذاك. الأهم أن يصل إلى هدفه الذي يرسم الوصول إليه بعناية فائقة!


وتعجبت أكثر فأكثر من أحد مدّعي المهنية في مجال عمله، وهو في الواقع يحاول أن يكون أكبر من حجمه من خلال ما ينشر من بوستات، وما يدبّج من مقالات، معلناً وبكل وقاحة على أنه الكاتب الأوحد، والوزير المفوّض المدافع عن المثقفين، ويكتب بطريقة فجّة تخلو من الصياغة الصحفية التي يعرفها ويتذوقها عامّة الناس، والأنكى من ذلك أنّه يُوبّخ الناس ويقلل من أهميتهم. يزدريهم ويوصمهم بعبارات سخيفة وحاقدة، ناهيك بما يحمله مشروعه النفيس من إسقاطات ووخزات لها أوّل وليس لها أخر.. مدعياً الدفاع عن أشخاص بعينهم وممتهناً أسلوباً فيه من التسويف والخداع ما يكفي، أضف إلى أنّه طالما يعيد ويكرّر في خطابه وفي جمله ماسحاً كل من عرفهم، أو من التقى بهم وعمل معهم بالهزء والسخرية...!
...

وأكثر ما أبهرني وهزّني من الداخل أشخاص نظيفو السريرة، يدخلون القلب مباشرة دون استئذان. يميلون لك بتهذيبهم واحترامهم وتقديرهم وحبّهم العميق الذي لا ينضب، وأنت بالكاد تعرفهم، أو كنت تعرفت إليهم، أو أنك سبق أن التقيت بهم صدفة، ويبدون لك الشوق والاملاءات التي تدل على مدى الحنو والألفة التي يجعلون منك مقداماً وفارساً، وقد تكون نتيجة هذا الحب المتدفق بمثابة عنترة بن شدّاد، وحمزة بن عبد المطلب، وغيرهم من الأشدّاء الشجعان.
وفي المقابل تجد على النقيض تماماً أن هناك أشخاص من أقرب الناس لك، أو صديقاً على معرفة بك، وقد تكون أرسيت له معروفاً أو خدمة في مسألة وقضية ما. هذا الإنسان ـ للأسف ـ هو من ألدّ الناس لك خصومة وعداوة وكرهاً، ويفيض تجاهك بغضاً وحقداً لخطأ بسيط ربما قد بدر منك، وبدون قصد، أو لمجرد معاتبتك له على موقف تافه لا يستحق الذكر. والأنكى من ذلك أنك تلوم نفسك على موقفه تجاهك، وبدون ذنب اقترفته. وهذا ما يثير سريرتك أكثر، ويحطم معنوياتك، ويدفعك إلى قطع أي علاقة مع أي صديق، أو غيره.
ماذا يمكن أن نقول حيال ذلك:
بين ذاك الإنسان المحترم الوفي المخلص المحب للناس والعاشق لهم ولخدماتهم، ويعاملك على بساط أحمدي. ذاك الإنسان الذي يفيض عطاءً وشوقاً ومزاجاً رائقاً ونفساً طيّباً، غير ذلك الذي يرميك بعدوانية بغيضة، ويمقتك ويُخفي عنك أطنان من الحقد؟
فإلى من نَحتكم، ومن نقدر ونثني ونَحْمِد؟