صحافي ناشئ شديد الحماس لمهنته التي يعشقها حتى الثمالة حاور عدد من المواطنين من مستويات مختلفة فكرية وثقافية متباينة، عن كيفية قضاء إجازاتهم السنوية؟ وكيف رأوا هذه التجارب في الحياة؟ وهل حققت بعض السعادة لهم؟.
في الواقع كانت الإجابات متباينة، ولم تكن تصبّ في روح واحدة، وهذا طبيعي، ما جعل إجاباتهم تختلف من إنسان إلى آخر بحسب إمكاناتهم المادية وثقافتهم، والعمل الذي يقومون به.

ـ جواب وزير سابق: "أمضيت إجازتي في بيتي أعيد ترتيب قراءاتي لعدد من الكتب التي سبق لي أن قمت بتأليفها، ورأيت أنّ هناك تفاوتاً واضحاً بين ما سبق أن كتبت، وما بين كنت أقوم به. دوّنت كثير من القضايا والمسائل التي لم تكن تهم أحداً، فكانت جميع كتاباتي تلخص واقع زياراتي ولقاءاتي وحواراتي واجتماعاتي مع العمال والمدراء المركزين الذين يتبعون الوزارة، فضلاً عن تفاهاتي في مواقع العمل، والتأكيد على مرحلة من عمري كوزير في أجواء لم تلامس المواطن، ولم تقدم له شيئاً، فأدركت مدى التفاهة التي لعبتها أثناء تولي منصب الوزارة وجعلت منها ملجأي الوحيد في خدمة الناس المقربين إلي وإلى أصدقائي، و بدلاً من أكون منصفاً في عملي خادماً وملبياً طلبات كل من يتقدم بشكواه، وأمضي بها في طريق يجعل منها قادرة على تفعيل دورها بحيث أنها تحقق دورها في خدمة الناس، إلا أنني جعلتها في خدمتي وفي خدمة وارضاء أشخاص بعينهم، وتمنيت أن يعيدني الله وزيراً، أو رئيس وزراء كي أخدم شعبي وأهلي ووطني ومعارفي والتضرّع لله بالعودة بوجه حسن إلى الحياة السياسية التي هجرتها، وأشارك في خرائب البلاد. وهذا ما يسعدني حقيقة، بعد أن أعدت حساباتي من جديد خدمة لأمّة كاملة تنتظر أن أقدم لها عصارة جهدي وعرقي ومعرفتي في الحياة".

ـ جواب مذيعة تلفزيونية تبجّل الثياب وتبغض سيبويه وأنصاره، وتحب قراءة الأدب ومتابعة الأنشطة الرياضية، وبصورة خاصة السباحة وكرتي اليد والمضرب: "قضيت إجازتي السنوية في هذا الصيف في احدى دول الاتحاد الأوربي، متنقلة ضمنها مثال النحلة بدون حواجز، وتعرفت إلى العديد من المدن، وزياراتي للكثير من المحال العالمية الشهيرة التي تهتم بالموضة وعالم الأزياء، وتمتعت بتلك الاجازة متعة لا بعدها ولا قبلها. أنا جميلة ومرحة وزوجي رجل متسامح كثيراً وكريم ومعطاء إلى درج ظن نفسه أنه حاتم الطائي الشاعر المعروف بكرمه وسخائه. تنقلي من مدينة إلى مدينة، ومن مكان إلى آخر في رحاب هذه الإجازة ترك أثراً رائعاً، ومتعة كبيرة بالنسبة لي كنت أحتاج إليها حقيقة. هذا الانتقال من مكان إلى آخر أحسست من خلاله وكأنني في بيتي أنتقل من مطبخ إلى حمّام، ولكن ما يؤنّبني أنَّ المشاهدات من النساء حُرمن في أثناء غيابي عن الشاشة الصغيرة مثلهن الأعلى، وفقدنا القدوة الصالحة في ارتداء الأزياء الحديثة من الثياب، وبات منظرهن مقززاً كخادمات فلم يعد يرتدين الثياب التي تليق بهن، وأصبحن بحاجة ملحّة لي لرؤية ما قد جلبته من ملابس علّ أن يقمن بشراء ما يناسبهن منها لأنهن بانتظار خروجي على الشاشة، حتى أنّ المشاهدين المعجبين بي مزّقوا الثياب وهم يتطلعون إليّ بحسرة ولوعة واشتياقاً آملاً في انتقاء الملابس التي تليق بهم، والتي تناسبهم والحال كذلك بالنسبة للمعجبات من النساء اللاتي يتابعن ما أقدم في برنامجي الأشهر الذي صار مثار إعجاب للكثيرين من المتابعين الذين غبت عنهم خلال فترة إجازتي".

ـ جواب فقير قانط يعيش منزوياً في بيته، ويتألم من المشاكل التي تحيط بالعالم اليوم: "في كل يوم من أيام إجازتي أشعر بالأسى والغيظ يواكبني حيال ما يجري اليوم على الساحة العالمية من خراب وحروب مستعرة، وبصورة خاصة الحرب التي افتعلها بوتين بحق الشعب الأوكراني وبدون وجه حق، وفضلت في ظلّ ذلك أن أخلد في بيتي وأقوم بزيارة قبريَّ أمي وأبي، وأنظر إليهما بحسد".

ـ جواب صحافي شهير اشتهر بتواضعه الشديد وبمقالاته المتميزة، وبحسن إدارته للندوات الثقافية: "طوال فترة إجازتي التي قضيتها في التسوق أنظر إلى القراء على أنهم حُرموا مني ومن متابعة مقالاتي اليومية التي لا أتوقف عن الكتابة فيها عن قضايا تهمهم، وتعمل على تثقيفهم وترشدهم إلى الطريق المستقيم.
وإذا حرموا من متابعتي لفترة طويلة سيصبحون ضحايا لأضاليل الطوابير الخامسة، الذين يعملون بخفيةٍ وحذرٍ شديدٍ، وسأكون آنذاك وحدي المسؤول عمّا حل بهم ولن يغفر التاريخ لي.. فاضطررت إلى قطع إجازاتي للحاق بعملي والاستجابة إلى رغبة القرّاء الذين يفضلون ما أقدمه لهم من صور بيانية في متن مقالاتي التي أدبّجها بصورة أصبحت تليق وتعجب الكثير منهم، باستثناء رئيس التحرير التي ينتقص منها، ويبدي أسفه عليها بالرغم من ردود أفعال القرّاء عليها ومتابعتهم لها برغب وحب شديدين، ما دعاهم يتصلون بي باستمرار للاطمئنان على صحتي وما مدى رغبتي في استمراريتي في العطاء، ويرجون العودة لي إلى نشاطي الذي عرف عني".

ـ جواب أستاذ جامعي مرموق، وله باع طويل في سلك التدريس: "لقد كرست إجازتي من أجل دعم موازنة البيت، وتطوير ثقافتي كمربّ للأجيال الصاعدة، فاشتغلت شهراً سائق تكسي أجرة، واشتغلت في بقية أيام الإجازة بائع بطيخ لجهة تحسين دخلي الشهر الذي بالكاد أنتفع به في تغطية بعض احتياجاتي الشخصية، وألجأ في ما تبقى لي من ساعات في مساعدة صديقي في محال للزهور، ما جعلني أعشق أنواع الزهر والرياحين والورود مثال: اللوتس، النرجس، الجوري، الكامليا، البنفسج، والصفصاف، وغيرها".

ـ جواب موظف صغير: "تمنيت أن أقضي إجازتي في عملي ألف مرة من قضائها خارجه. في منزلي قضيت أياماً مريرة، حيث كرست مزيد من المشاكل مع زوجتي وأبنائي، كما قضيت جزءاً منها في التردد على المقهى مع أصدقائي الذين ابتعدوا عني وفزعوا من حضوري رغم غيابي عنهم، وأشعروني كأنّي مصاب بالكوليرا والايدز وكوفيد ما اضطرني إلى التردّد إلى الحديقة العامة، فظن حارسها أنّي شحاذ ذو ملابس حَسنة".

ـ جواب مفكر معجب بزوجة جاره وحكومة بلاده: "الإجازة السنوية إنّها وسيلة من وسائل الامبريالية لإلهاء الشعوب ومنعها من العمل من أجل استكمال بناء استقلالها الاقتصادي والسياسي والثقافي".

ـ جواب أديب يكتب وهو مسترخي في غفوته: "أنا أكثر موهبة من ليو تولستوي، وأندريه مالرو، ووليام فولكنر، وفيكتور هوغو، وباولو كويلو، وإرنست همينغوي، وطه حسين، والمتنبي، ونجيب محفوظ، ونزار قبّاني، وأنيس منصور، وأحمد شوقي، وعبد السلام العجيلي، ورجاء النقاش، وألفت من الكتب ما يكفي لتشييد مبنى من طابقين، ومع ذلك ظلت الشهر التي أطمع في نيلها بعيدة عني، ولكن النشاط الإبداعي والإعلامي والإعلاني والرياضي لزوجتي إبّان شهر الإجازة منحني ما أصبوا إليه من شهرة مدوية".

وفي نهايات الحوارات أجاب الصحافي الناشئ الذي كتب الأجوبة السابقة: "ضاعت إجازتي وخسرت وقتاً وورقاً ولم أربح سوى الصداع والألم".

[email protected]