ظروف الحياة في سوريا دفعت بالصحافي إلى ترك مهنته التي جُبل عليها وأخلص لها ووفر لها طاقته وعزيمته، واندفع لها بكل رغبة وحب وتفاني والاخلاص لها برغم الظروف السيئة المحيطة به، وانخراط الكثير من الإعلاميين في الترشّح لانتخابات مجالس الإدارة المحلية وفي مختلف المحافظات، ومن بين هؤلاء زملاء لهم حضورهم ومكانتهم وباعهم الطويل في هذا الإطار، ولهم ما يميّزهم ويثني عليهم من خلال ما يطرحون من مواد صحافية، وفي أعمدتهم اليومية، وفي الزواية المخصصة لهم. دفعت بهم ظروف حياتهم والواقع المؤلم الذي يعيشه أغلبهم إلى خوض هذه التجربة وعن رغبة حقيقية للهرب من واقع مؤسي، وفقر مدقع أصاب الكثيرون منهم في الصميم، وتلافياً من الوقوع في مشكلات كثيرة طالما تعرّضهم للمسائلة والوقوف أمام السلطة القضائية بتهم القدح والذم وغير ذلك.
وفي ظل هذا الواقع فإن الرغبة دفعت الغالبية منهم بالترشح وخوض هذه التجربة الجديدة كأعضاء في الإدارة المحلية والفوز في انتخاباتها، سواء في مجالس المدن أو في البلديات والبلدات التي تجرّ بالتالي إلى شغل مناصب حسّاسة ومهمة مستقبلاً، وحسب الدعم الذي يفرز نتائج إيجابية قد تدفع بالعضو مستقبلاً إلى شغل مكانة تبعده عن عمله الذي سيبقيه في مكانه يراوح فيه وإلى الأبد، وهي فرصة لكثيرين صار الصحافيين يحاولون اقتناصها علّها تسهم في خلاصهم من الكثير من الصور السلبية التي تهدّد مستقبلهم المهني في بلد كسوريا.
وفي ظل هذه التجربة الجديدة لأغلبهم، في الوقت الذي نعلم فيه أنهم لم يبتعدوا كثيراً عن منبر الدفاع عن قضايا الناس وهمومهم وآمالهم وتطلعاتهم وتعرية مشاكلهم وتجسيدها للمسؤول بطريقة أو أخرى.. إلا أن المسؤول وللأسف، يقف دائماً موقف المتفرج حيال ما يحدث على أرض الواقع، ولا يبالي تماماً بما يحدث. الأهم من هذا وذاك هو أن يفوز بمقعد ويرسم الطريق لوحده في المديرية أو في المؤسسة والدائرة التي يرأسها، غير مبالياً ما يجري في أروقتها. فالدور الإعلامي والصحافي الذي كان ينتظر بالصحافي تراخى كثيراً، ولم يعد يؤخذ به البتة، ما يعني أن أعداداً غير محدودة من أبناء المهنة دخلوا معترك هذه الانتخابات بهدف أن يكون النجاح حليفهم والفوز بها وأخذ دورهم كاملاً في الرقابة، ومتابعة قضايا الناس والوقوف على مشاكلهم عن كثب، كما يدعي أغلبهم، وإن كان الدور غير سار ولا يناسبهم إلّا أن البعض منهم ارتضى أن يكونوا في موقع صنع القرار والمسؤولية هرباً من مسؤولية أكبر تواجهه، في قطاع الصحافة وهو تسليط الصحافي الضوء على نقطة سلبية هنا، وهذا لن يغفر له خطأه، وإن أصاب في طرحه وفي تطرقه إلى مشكلة قائمة بالفعل وتحتاج إلى معالجة، بدليل أن الكثير من الصحافيين في سوريا تعرضوا للمسائلة والسجن ودفع الغرامة المالية لأنهم أشاروا إلى الحقيقة، وصرحوا بها على الملأ، وهذا بالتأكيد لن يسكت عنه المسؤول أياً كانت وظيفته والعمل الذي يقوم به. الدفاع عن خطأه وارد جداً، ولن يعفي الصحافي من المحاسبة ودفع الغرامة، والسجن الذي كما يظن الكثيرون هو موقعه الأساسي، ومن هنا اضطر زملاء صحفيون في الفترة الأخيرة من أن يلجأوا إلى ممارسة دورهم الانتخابي للفوز بكرسي يؤهله بالفوز بمقعد وهذا ليس غريباً في سوريا أن يتحول الصحافي من موظف يحب مهنته ويبدع فيها، ويوفر لها كل مقومات النجاح، ونجح كثيرون في ذلك، ومنهم من شغل منصب وزير وعضو في مجلس الشعب ومارس مهنة الصحافة وظل يكتب لفترة مُبعدة، وهذا لم يؤثر على نتاجه الصحفي بل أكسبه الخبرة والمعرفة والمعلومة.
العمل الإداري بالنسبة للصحافي يمكنه أن يحقق مكانته وينجح في ذلك، وهذا المجال له إيجابياته وقد يسرع في تفعيل دوره بصورة أفضل وتدفع بالمسؤول إلى تلبية طلبه احتراماً لشخصه ومكانته. ذاك الشخص يمكن أن يفعل دوره ومن خلاله يخدم شريحة واسعة من الناس بدلا من ذلك الانسان العادي البعيد عن هذه المهنة. فالصحافي برأيي الشخصي أقدر من غيره من الأعضاء في السعي إلى تلبية طلبات الجماهير التي بادرت إلى انتخابه، وسيكون دوره إيجابياً.
ما ينتظر من الصحافي في سوريا كبير وكبير جداً، وهي خطوة نباركها ونأمل لها النجاح في ظلّ الانتخابات التي انتهت منذ أيام قلائل ويتأمل الزملاء في ظلها أن تنعكس إيجاباً على العمل المراد القيام به للنهوض بواقع الخدمات السيء في سوريا والتي تراجعت إلى الوراء وبشكل مخيف.
إنّ مهنة الصحافة والكل يعلم أنها لا تكتسب بالتجربة وحدها، وإنما يلزمها الدراسة العلمية الصحيحة والسليمة للإفادة منها، ناهيك بالضغوطات الكبيرة التي يتعرّض لها الصحافي الناجح بدءاً من رئيس التحرير إلى رئيس القسم، وحتى من قبل زملاؤه في القسم الذي يعمل فيه. ومن أصدقائه خارج العمل لمجرد تناوله مادة صحافية لها بعد إنساني، ولكن كيف يتم تأثير ذلك على الرأي العام، وعلى المسؤول عن قطاع خدمي أو مؤسساتي، فهذا ما يعني أنه يقيم الدنيا ولن يقعدها. تفضيل الصحافي الهروب إلى العمل الإداري بدلاً من عمله ومراقبته عن كثب أفضل له، وحماية من قلمه على مستقبله ومستقبل أطفاله، في ظل واقع اقتصادي متدهور، وهو بحاجة إلى رصد مليارات الدولارات للإقلاع به وتحسينه بدلاً من الصورة السيئة التي يعيشها المواطن في كل بقعة من أرض سوريا الطيبة.