في مقال نشره الكاتب شيرزاد شيخاني في 6 تموز (يوليو) 2023 بعنوان (ما هي الحقوق الدستورية للشعب الكردي في العراق) وردت فيه بعض الانتقادات الصارخة لحكومة اقليم كردستان بشكل يعد بعيداً عن المهنية والمنهجية في الكتابة، فالانفعالات الواردة في المقال وكذلك التحامل على جهة واحدة وتحميلها كامل المسؤولية عما يحدث من تجاذبات بين بغداد وإقليم كردستان جعلت الكاتب يبتعد عن جوهر القضية في هذه التجاذبات والخلافات، فبدلاً من تسليط الضوء على البعد التأريخي والخلفيات والتراكمات السياسية بين الحركة الكردية والأنظمة التي حكمت بغداد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 ولحد انتهاء نظام صدام حسين، خاض الكاتب في أمور لا تبدو جوهرية في ظل حالة الشد والجذب بين بغداد وأربيل وبخاصة فيما يتعلق بتطبيق الدستور العراقي الدائم والذي تم التصويت عليه شعبياً سنة 2005، فكيف يمكن مثلاً بحث مشكلة النفط دستورياً في مقال صحفي ويتهم الكاتب فيه الإدارة في اقليم كردستان ويحملها كامل المسؤولية فيما يجري في هذا الخصوص؟

ومن الغريب أن يتجاهل الكاتب أو يتناسى قانون النفط والغاز، والذي لو قدر له أن يتم تمريره لما كنا نرى كل هذا التهافت وكل هذا الضجيج فيما يخص موضوعة النفط والغاز بل كانت الأمور ستسير بانسيابية تبعاً لآليات دستورية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لا من قبل أربيل ولا من قبل بغداد، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتطرق السيد شيرزاد شيخاني الى هذا الموضوع المفصلي ويضع النقاط على الحروف ويشخص المسببات التي وقفت لحد الآن عائقاً أمام تمرير هذا القانون؟ لماذا غاب عنه أن كل ما يخص موضوعة النفط والواردات المالية الفيدرالية في الدولة العراقية كان يتم التفاهم عليها بين حكومة اقليم كردستان وبين بغداد عبر اتفاقيات عديدة بلغت (6 اتفاقيات) ولم تستند على أسس دستورية محضة بل كانت اتفاقيات سياسية بالدرجة الاولى ولم تكن الاتفاقيات هذه تتم لولا اتفاق الحزبين الكرديين الحاكمين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) وبرؤية واحدة، فلماذا يضع الكاتب كل الوزر على الديمقراطي الكردستاني ويتجاهل الاتحاد الوطني الكردستاني والذي ما زال شريكاً للحزب الديمقراطي في حكم وادارة اقليم كردستان رغم كل الخلافات بين الحزبين؟!

من الغريب أن يتجاهل الكاتب دور الاتحاد الوطني الكردستاني وبخاصة دور الرئيس الراحل (جلال طالباني) في رسم السياسات النفطية ونمطية العلاقة بين بغداد وأربيل على كافة الصُعد، ألم يكن الحزبان الحاكمان في كردستان موحدين في ائتلاف واحد لدورتين متتاليتين في مجلس النواب العراقي بإسم (التحالف الكردستاني) وكانت هناك رؤية موحدة لهما حيال مجمل الأمور الخلافية بين بغداد وأربيل؟ ألم يتم التدشين لكل ما يحصل حالياً في المرحلة التي كان فيها الحزبان الكرديان في تحالف استراتيجي؟ لماذا يتم تناول الأمور بنظر ة احادية ومن زاوية واحدة؟ هل يعد هذا انصافاً في تناول هكذا أمور، هل هذه منهجية في نبش الموضوع وتناوله بطريقة بحثية بعيدة عن التحامل والتوجهات الشخصية؟

أما فيما يتعلق بالأوضاع داخل اقليم كردستان فمن العجب العجاب أن يتجاهل الكاتب كل ما يجري في السليمانية وكأنَّ مجهره لا يعمل هناك في حين أن نفس المجهر يعد مكبراً وموضِحاً لمجريات الأمور في أربيل؟ هل تخلو الإدارة أينما كانت من الأخطاء؟ هل هناك حالة مثالية في الإدارة وأنّ هناك منزهين يديرون الأمور؟ أليس من الإنصاف أن ينتقد الكاتب الأوضاع بمجملها في الإقليم الفيدرالي، لا أن يرى وجهاً واحداً؟ هل غاب ما يحدث في السليمانية ونمطية الإدارة فيها عن ذهن الكاتب؟

المتعارف عليه في عملية النقد أن تكون بناءة وتحمل أفكاراً إصلاحية وتكون مفعمة بالنصح والمشورة وتقييم الأوضاع من النواحي الإيجابية والسلبية لكي يكون النقد مقبولاً محترماً وإن كانت السلطة لا تحبذ صاحب النقد لكن لا بُد أنها ملزمة باحترام النقد البناء، فعندما أنتقد عليَّ أن أمتلك الجرأة لبيان مواطن الخلل لدى الحزبين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) لا أن أتخذ من احدهما هدفاً للنقد والتجريح والطعن واتجاهل الطرف الآخر وأغض عنه الطرف، لماذا الانطلاق من مفهوم المناطقية؟ فمعروف أن القوى المتنفذة في الإقليم لهما مناطق نفوذ واضحة وجلية، فلماذا لم يكن بمقدور السيد شيرزاد شيخاني تشخيص مكامن الخلل لدى الاتحاد الوطني الكردستاني والذي يقيم هو في مناطق نفوذه؟ ما الدواعي من وراء ذلك؟ تشخيص الخلل وتوجيه النقد يجب أن يكون مرافقاً بالانصاف والمنهجية والحيادية لا أن يكون من منطلق التخندق في خندق المناويء للطرف الآخر، ومن يمتلك مقومات الناقد المنصف فما عليه إلاّ أن يمتلك القدرة على انتقاد طرفي الإدارة في الإقليم ويشخص السلبيات كما هي ويبتعد عن دوافع الحقد والكره.

لن يكون في المقدور البحث في موضوعة المشاكل بين أربيل وبغداد بمعزل عن العوامل التأريخية للقضية الكردية في العراق، وبمعزل عن عامل الثقة بين الاقليم والحكومة الفيدرالية في بغداد، المنهجية مطلوبة في تناول هكذا أمور، فالمنهجية كفيلة ببيان قدرة الكاتب على البحث والتحليل والتشخيص ومن ثم وضع الحلول، ولا يمكن لرأي شخصي (في مقال صحفي يتناول أموراً مفصلية متخم بالتحامل وخطاب الكراهية) أن يجد له مكمناً جديراً بالقبول.