تعددت القراءات وتباينت في تفسير مضمون ما جاء في الخطاب الأول للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله منذ اندلاع حرب "طوفان الأقصى"، وفيما قيمه البعض على أنه كان مجرد خطاب أجوف أقل بكثير من سقف التوقعات ومخيبا للأمال الفلسطينية، ذهبت القراءات الاسرائيلية الى وصفه بمحاولة "الخداع الاستراتيجي" حيث اعتبرو أن ضمنية الخطاب ومصطلحاته كانت مدروسة بعناية وفيها ما يحتوي رسائل غير مباشرة تستدعي أن تبقى اسرائيل على أهبة الاستعداد تحسبا لأي هجوم مباغت على شاكلة ما حصل في 7 أكتوبر، أما التخفيف من حدة لهجته فقد قرأه البعض على أنها محاولة منه لخفض نسق التصعيد والذي يراد منه تجنيب قواته ضربات استباقية قد تدفع الى تغيير قواعد اللعبة وتستدرج حزب الله ليكشف عن أوراقه.

وضعت حركة حماس حزب الله بين نارين، فعدم انضمامه لطوفان الأقصى سيكون بمثابة الضربة القاضية لما يسمى بـ "وحدة الساحات" ولشعارات ايران في المنطقة، ولا شك أن ذلك أيضا سيحدث شرخا كبير بين أذراع محور المقاومة في حال سقطت حماس وانتهى حكمها في غزة، في المقابل فان انضمامه لها يعني تقديم هدية مجانية لاسرائيل التي ستعزز من وضعها الدفاعي مما سيمكنها من تقديم تبرير آخر يغطي على هول ما حدث في قطاع غزة تحت بند حق الدفاع عن النفس في وجه هجمات الارهاب، وسيكون لهذه الخطوة تبعاتها المباشرة في الداخل اللبناني وهو ما سيدفع باعادة النقاش حول "نزع سلاح المقاومة" لما يشكله من تهديد على الأمن القومي اللبناني قبل أمن اسرائيل.

في الوقت الذي تسير فيه العملية العسكرية الاسرائيلية البرية في قطاع غزة ببطئ، تزداد وتيرة التصعيد على الجبهة اللبنانية من خلال القصف المتبادل الأخير بين اسرائيل وحزب الله، ويمكن أن نستشعر من خلال كل ما يجري من تطورات ميدانية ومن تصريحات التحذير والوعيد التي وجهها نتنياهو مؤخرا لنصر الله على أنها محاولة اسرائيلية لجس النبض ولقياس ردة الفعل التي تصدر من لبنان، والى حد الساعة يسعى حزب الله إلى الحفاظ على مستوى معين من التوتر من خلال المناوشات، دون تجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية المتمثلة في التسلل إلى أراضيه لأسر الرهائن وإطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ بعيدة المدى على المدن الإسرائيلية الكبرى، تجاوز هذه الخطوط الحمراء سيكون بمثابة اعلان صريح دخول الجبهة اللبنانية في طوفان الأقصى.

لم تضع حركة حماس في الحسبان العواقب الإنسانية المحتملة للحرب تقديرها منها بأن مبايعة الشارع الغزي لحكمها في قطاع غزة قد اعطاها التفويض في التصرف بمصيرهم بأغلبية مطلقة، هذا المنطق الذي تتخده منه حماس سياسة الأمر الواقع لا يمكن أن يطبقه حزب الله في لبنان حتى في ظل وضعه السياسي والاقتصادي المترهل، وقد قوبل قرار توسيع الحرب ودفع لبنان الى تصعيد خطير بمعارضة واسعة من قبل الاوساط الشعبية والسياسية والتي بدورها اتهمت حزب الله بمحاولة جر لهيب النار الى لبنان، وهو ما يعني أن اتخاد حزب الله قرارا احاديا بشن الحرب دون إخضاع قراراته لمراجعة سياسية داخلية سيكون بمثابة اعلان الحرب ضد اللبنانيين قبل أن تكون ضد اسرائيل .

تركت تجربة حرب تموز 2006، ما فيه الكفاية من أحداث مؤلمة عاش فيها اللبنانيون حدود التجربة الإنسانية بمرارة تفاصيلها وتداعت انعكاساتها على اقتصاد البلد بعد ما حملته فاتورة الخسائر في البنية التحتية وفاتورة الانعزال عن البعد العربي قدم حزب الله لبنان على طبق من ذهب وفي خدم الأجندة الايرانية المعادية للعرب، واليوم يعود اللبنانييون الى نفس الهواجس ونفس المخاوف بعد أن أصبح تكرار تلك التجربة المريرة أمرا غير مستبعد، خاصة وأن سيناريو توسيع المواجهة من قطاع غزة الى حرب اقليمية أمر وارد مع توافر جميع المكونات التي قد تؤدي الى اشعال فتيلها، وفي حال سار حزب الله معصوب العينيين على نفس خطى حماس، فمعنى ذلك أن لبنان يسير بمن فيه نحو الهاوية.