حرب غزة أنتجت العديد ممن يحاولون ركوب الموجة ليس من أجل التصعيد ضد إسرائيل فقط, بل لإشعال المنطقة أكثر، وآخر ما كان هي الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون على السفن التجارية الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر.

باستقراء المشهد، يبدو أن هناك أذرعاً إيرانية تحرك الحوثيين في اليمن من أجل ضرب سفن إسرائيل وأميركا في البحر كمحاولة ضغط على الدولتين لوقف الحرب في غزة، لكن هذا قد ينذر بإشعال حرب جديدة في اليمن أو يمهد لاستعمار وشيك على أقل تقدير في حالة استمرار عناد الحوثيين مع ازدياد حالة الغضب الأميركي تجاههم.

لذلك، خرج أول تهديد أميركي للحوثيين في اليمن، فأعلنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن صراحة أنَّه لا يستبعد اتخاذ إجراءات عسكرية مستقبلاً في اليمن، فيبدو أنَّ أميركا كشرت عن أنيابها للحوثيين. فهل تفكر جدياً في تنفيذ عملية عسكرية في اليمن؟

أكثر السيناريوهات احتمالاً أن تتذرع أميركا بهجوم الحوثيون على السفن لضرب اليمن أو استعماره، وبالتالي يتكرر سيناريو الصومال والعراق أفغانستان مرة ثانية. ولكن من يتحمل تكلفة الحرب؟

الأذرع الإيرانية التي تحرك الأحداث في مواقع الحوثيين باليمن، هي أول من يبرئ نفسه من أي أعمال عدائية ضد إسرائيل وأميركا، فتحاول طهران إحراق جميع النجوم التي حولها حتى تكون القمر الوحيد في المنطقة.

ربما تكون حوادث الحوثيين السابقة ضد الملاحة الدولية أبرز الدلائل على اضطراب الأوضاع التي قد تدفع أميركا إلى شن عملية عسكرية ضدهم قريباً، فميليشيات الحوثي لها سجل حافل بالأعمال التي تصفها الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية بالإرهابية في البحر الأحمر، إذ نفذت العشرات من تلك العمليات ضد سفن نفطية وتجارية، ونشرت المئات من الألغام البحرية، كما حاولت مرات عديدة تنفيذ هجمات إرهابية بزوارق مفخخة.

وكان عام 2015 شاهداً على ذلك، عندما شرعت حركة الحوثي في نشر الألغام والقوارب المفخخة بالبحر الأحمر وإطلاق الصواريخ من السواحل، كما استهدفت سفناً أميركية وناقلات نفط سعودية في 2019، ولم يتوقف الأمر على ذلك، فواصلت تلك الاستفزازات حتى يومنا هذا.

في الأيام الأخيرة، حاولت المملكة العربية السعودية تهدئة الأوضاع وحثت أميركا على ضبط النفس وسط هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، في الوقت الذي تسعى فيه لاحتواء تداعيات الحرب بين حماس وإسرائيل.

في خضم هذا التوتر يكون مخطط الاتفاق السعودي الإيراني مهدداً، فما زالت الرياض، وهي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، تراقب بقلق إطلاق صواريخ الحوثيين فوق أراضيها، لكن يبدو أنها راضية حتى الآن عن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الوضع.

الآن تضغط السعودية من أجل وقف الحرب الوحشية الإسرائيلية في غزة بهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي بعد سنوات من المواجهة مع إيران وحلفائها، وما يؤكد ذلك قيامها بتطبيع العلاقات مع طهران مع السعي للخروج من الحرب التي تشنها ضد الحوثيين في اليمن منذ حوالى 9 سنوات، وأيضاً تسعى المملكة إلى دفع عملية السلام في اليمن الحبيب وكذلك تهدئة الحرب في غزة خشية امتداد الحرب إلى اليمن.

لكن يبدو أنَّ هجمات الحوثيين الأخيرة على حركة السفن في البحر الأحمر قد يدحض المساعي السعودية لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وقد ينذر بضربة أميركية لليمن في أي وقت، في سيناريو متكرر لا يحمل إلا الخراب والدمار وتشتيت الأمة العربية.

كما أنَّ حصيلة شهداء الحرب الإسرائيلية على غزة التي وصلت إلى حوالى 18 ألف شهيد فضلاً عن 49 ألف إصابة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هي مؤشر خطير يؤكد على أنَّ منطقة الشرق الأوسط لن تتحمل ويلات حرب جديدة، تفتك بالبشر وتشرد وتدمر كل الذي أمامها وتعمق جراح المنطقة أكثر وأكثر.

وخلال الساعات الأخيرة، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي 21 مجزرة مروعة وأباد عائلات بكاملها في غزة، فما بالك لو اتسعت دائرة الحرب إلى اليمن؟!

أخيرا، يراودني سؤال ملح؛ هل تنجح السعودية في وقف الاستفزازات الحوثية من خلال إيران لتجنب الدخول في آتون حرب جديدة في اليمن؟