وكأن جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في حاجةٍ إلى مساعداتٍ ماليةٍ ومعوناتٍ غذائية ووجباتٍ ساخنةٍ وسريعة، وسكاكر وحلويات، ووسائل ترفيهٍ وأجهزة تسليةٍ، وملابس وأحذية، وسترات وخوذ، حتى سارعت كبريات الشركات الدولية الأمريكية والغربية إلى تقديم كل ما يلزم جنود الاحتلال وما لا يلزمهم، في أوضح تضامنٍ مع الكيان في عدوانه على قطاع غزة، وتأييدٍ صارخٍ لغاراته الوحشية على سكانه.
وبذا يكونون معه شركاء في هذه الجريمة، ويتحملون مثله وربما أكثر المسؤولية عن هذا العدوان، إذ لولا تأييد حكوماتهم وغطائها السياسي للحكومة الإسرائيلية لما أقدمت على شن هذه الحرب القذرة، فقد أظهرت عملية طوفان الأقصى أنهم ضعفاء في القتال وحدهم، وجبناء في مواجهة عناصر المقاومة، وأعجز ما يكونون بمفردهم على نيل الظفر وتحقيق النصر.
الدعم المقصود هنا ليس الدعم السياسي والعسكري والمالي الذي تغدق به الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية، وتقدمه بسخاءٍ كبيرٍ وبصورةٍ علنيةٍ ومكشوفة، رغم علمهم جميعاً أن الحكومة الإسرائيلية تستخدمه في قصف الشعب الفلسطيني وقتله في خيامه ومراكز إيوائه، وتدمير بيوته ومستشفياته ومساجده وأسواقه ومدارسه وجامعاته ومؤسساته، وكل شيءٍ آخر يتعلق بصموده وثباته على أرضهم، ويحافظ على بقائه فيها.
إنما قصدت الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه الشركات والمؤسسات الغربية، وكذلك الشخصيات الإعلامية والثقافية والفنية والرياضية والاقتصادية، الذين يتنافسون فيما بينهم في تقديم مختلف أشكال الدعم المادي والمعنوي، كتعبيرٍ عن تضامنهم مع الكيان الصهيوني ومساندتهم له، وتأييدهم له في حربه الهمجية على الفلسطينيين عموماً وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص، وبالتالي مشاركتهم إياه العمليات الحربية العدوانية، وتحملهم معه كامل المسؤولية عن هذه الجرائم والمذابح وحروب الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال بدعمهم وتأييدهم.
فهذه شركة برسيل للمنظفات الصناعية تضع على غلاف غزة مئات الغسالات الكهربائية، مع مسحوق الغسيل ومولدات الطاقة اللازمة، والمجففات الكهربائية، لتمكين جنود وضباط جيش الاحتلال من غسيل ثيابهم وبزاتهم العسكرية وتجفيفها.
وأعلنت شركة ماكدونالدز تقديم آلاف الوجبات السريعة المجانية لجنود وضباط جيش الاحتلال في الميدان وغلاف قطاع غزة، وللمصابين والجرحى في المستشفيات، وعرضت حسوماتٍ كبيرة لكل العسكريين وعائلاتهم الذين يتناولون وجبات ماكدونالدز في صالاتها ومطاعمها.
إلا أن شركتي البيتزا الأمريكية الشهيرة بيتزا هت، وبابا جونز، قررتا أن تقدما لجيش الاحتلال مجاناً كل ما يطلبه من عروض البيتزا، ولم تحددا الكمية التي تبرعتا بها، بل جعلت إداراتها سقفها حاجة الجنود والضباط ومراكز الخدمة العسكرية والشرطة في كل أنحاء الكيان الصهيوني.
أما شركات العصائر والكولا فقد تباروا في تقديم المشروبات الباردة والبرادات الخفيفة لجنود الاحتلال، وفي الوقت نفسه قاموا بالتبرع بملايين الدولارات لمؤسسات إسرائيلية مختلفة، ومنها مؤسسات استيطانية تقوم بقضم الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها وطرد أهلها منها.
لا أحاول هنا استعراض كل الشركات التي تتنافس في تقديم الخدمات المجانية لجيش العدو ومؤسساته، لأنها للأسف مؤسسات وشركات كثيرة، وهي لا تخجل مما تقوم به وتقدمه، بل تستعرض خدماتها وتنشر صور جنود الاحتلال وهم يتناولون وجباتها، أو يشربون مشروباتها، ويتناولون سكاكرها وحلوياتها، أو يلبسون ثيابها وأحذيتها، ويعرضون الصور لمزيدٍ من الدعم والتشجيع.
التبرعات لا تقتصر على شركات الطعام والمشروبات والحلويات والسكاكر، بل تتعداها إلى شركات الملابس والأحذية من مختلف الماركات العالمية، التي تحرص على أن يلبس جنود الاحتلال من إنتاج شركاتها، ويضعون شاراتها ويظهرون ماركاتها، وهي تقدمها لهم بالمجان، ويقوم مندوبون عنها بتسليمها إلى المراكز العسكرية الإسرائيلية.
كما لا يقتصر دعم الشركات الغربية للكيان الصهيوني على الخدمات المادية فقط، بل تلجأ الشركات والأشخاص، والمؤسسات الإعلامية والنوادي الرياضية، والبنوك وبيوت المال، وشركات الإنتاج الفني والعمل السينمائي، إلى رفع الأعلام الإسرائيلية، وصور جنوده في الميدان، وتعرض رسائل الإشادة والتأييد، وكلمات المساندة والمواساة لجنود جيش العدو وعائلاته، إذ تتضامن معهم، وتدعو إلى دعمهم نفسياً ومعنوياً، وتطالب بمواساتهم والتخفيف عنهم وتقدير معاناتهم.
ليت أنظمتنا العربية والإسلامية، وشركاتنا وهيئاتنا، ومصانعنا ومعاملنا، وإعلامنا وأعلامنا، يتعلمون من هذا الغرب الفاسد الظالم، المنحرف الضال، الذي يؤيد الظلم ويساند الباطل، فتقف مع حقنا وتؤيد قضيتنا، وتنصر الشعب الفلسطيني، وتقدم له كل أسباب البقاء وعوامل الوجود والثبات.
ويا ليتها تحارب من يحاصره، وتعاقب من يخنقه، وتفتح أمامه كل الحدود، وتزيل من أمامه كل الموانع والسدود، وتدخل كل ما يحتاج إليه من الماء والغذاء والدواء والكهرباء، وكل شيءٍ آخر يلزمه ليثبت ويبقى، ويصمد ويقاوم، فالفلسطيني هو المحتاج للدعم، والعربي والمسلم هو المكلف بالواجب، وهو المسؤول عن العجز والتقصير، والمحاسب أمام الله عز وجل وأجيال الأمة عن الضعف والخذلان.
التعليقات