مشاهد مؤلمة نراها ليل نهار في قطاع غزة، عبر شاشات التلفزيون والمواقع الإخبارية، تعكس الوضع الكارثي والمأساوي لما يحدث على أرض النضال، للأبرياء من المدنيين ضحايا الحرب الغاشمة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة «حماس»، والتي حولت البنايات إلى ركام، وأهلكت أرواحًا بلا ذنب. وما زال المدنيون يدفعون ثمن الصراع المشؤوم، ولا أحد يعرف متى سيتنهي، وما هي النهاية التي ستحدد مصير شعب فلسطين الجريح.

من يتابع المشهد المتأزم في فلسطين بوجه عام، وقطاع غزة على وجه خاص، لن يستطع التنبؤ بالفترة الزمنية لانتهاء أبشع الجرائم التي تُرتكب في حق الفلسطينيين، وسط صمت عام وعجز تام أمام العدو الصهيوني، الذي ضرب بكل الأعراف والأديان والقوانين عرض الحائط، برعاية وحماية «الحرس الأميركي»، بأسلوب فرض السيطرة، بزعم ملاحقة قادة «حماس»، ولكن ما يحدث هو حرب إبادة، استغلها جيش الاحتلال لمحاولة إنهاء القضية الفلسطينية، من خلال تنفيذ مخطط التهجير، والقضاء على أكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني، والدليل على ذلك، عدد الضحايا الأبرياء، الذي تجاوز 20 ألف شهيد، وآلاف الجرحى.

منذ بداية الحرب على غزة، عقب هجوم «حماس» على المستوطنات الإسرائيلية في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تعرضت مصادر الغذاء في غزة، من مخابز وأسواق وغيرها، لقصف عنيف أدى إلى دمارها، وهو الأمر الذي ضاعف حجم المأساة لشعب غزة، فلم تتمكن الأم من إشباع صغارها، وعجز الأب عن توفير «لقمة» لأطفاله، ولم تفرق قذائف الحرب بين صغير وكبير، بل دمرت كل من تواجد صوبها، ومن لم يمت بنيران الحرب، مُعرض للموت جوعًا من النقص الشديد في الغذاء، ويؤكد ذلك التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، الذي أظهر أنَّ 26 بالمئة من السكان أي نحو 577 ألف شخص، قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويواجهون جوعًا كارثيًا.

استمرار الحرب على غزة ناقوس خطر ينذر بحدوث مجاعة خلال الأشهر الستة المقبلة في ظل تقييد وصول المساعدات الإنسانية. ووفقاً للأمم المتحدة، تُعرف المجاعة بأنها الجوع الذي تواجه فيه ما لا يقل عن 20 بالمئة من الأسر نقصًا شديدًا في الغذاء، ويعاني 30 بالمئة من الأطفال على الأقل من سوء التغذية الحاد، وتحدث في ظله أكثر من حالتي وفاة يوميًا من بين كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع الشديد أو نتيجة لسوء التغذية والمرض معاً، وهو ما يتطلب ضرورة توفير مزيد من المواد الغذائية الطارئة والمساعدات متعددة القطاعات، لمنع انتشار الوفيات على نطاق واسع.

شاهدنا خلال الهدنة السابقة، التي استمرت سبعة أيام، تدفق المساعدات من كافة الدول على قطاع غزة عبر معبر رفح. وإعادة فتح معبر كرم أبو سالم الحدودي يمهد الطريق أمام تدفق مزيد من المواد الغذائية وغيرها من إمدادات الإغاثة إلى غزة، وهو ما استطاعت الدول والمنظمات تقديمه بصعوبة شديدة، بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي، الذي رفض إدخال المساعدات وهدد من قبل باستهدافها، قبل أن يتم التوصل للهدنة، ورغم ذلك استمر جيش الاحتلال في عمليات القصف الوحشي، التي طالت من تلقوا المساعدات، في مشهد ينتهك المواثيق والأعراف الدولية، دون أي حماية من أحد.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما فائدة إدخال المساعدات، من دون وقف إطلاق النار؟ وهل من المعقول أن يتم إدخال المساعدات، لتمكين أهالي غزة الأبرياء من البقاء على قيد الحياة، ويتم قصفهم وقتلهم بنيران الاحتلال؟ وما فائدة المساعدات حينها، وكل من يتواجد على أرض النضال ينتظر الموت في كل لحظة؟ من يُمعن التفكير في الأسئلة المطروحة، لن يتوصل سوى لإجاية واحدة وهي ضرورة التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار بشكل فوري، إذا أراد المجتمع الدولي إنقاذ من بقي على قيد الحياة من أهل غزة، وهو الأمر الذي عجزت كافة المفاوضات والمباحثات عن تحقيقه، وفشل أيضًا مجلس الأمن الدولي فيه، حيث أخفق في إصدار قرار بوقف إطلاق النار، بعد «الفيتو الأميركي»، الذي ما زال يمنح آلات الاحتلال العسكرية الضوء الأخضر لقتل الأبرياء من الفلسطينيين العُزل.

ويؤكد المشهد أن عام 2023 سيتنهي، ولكن الحرب على غزة ستستمر لعدة أشهر من 2024، الذي تفصلنا عنه أيام قليلة، دون بارقة أمل في العام الجديد، الذي يبدو أنه يخبئ مفاجأت غير سارة، على كافة المستويات، فالأمر يحتاج إلى تضافر الجهود من جانب المجتمع الدولي وكافة الأطراف، للتوصل إلى «أضعف الإيمان»، وهو مزيد من الهدن، لإدخال المساعدات، يصاحبها مساعي قوية لمحاولة وقف إطلاق النار، وإيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، يمكن أصحاب الأرض، من استعادة وطنهم المُحتل.