بعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إرسال حاملات الطائرات والمدمرات والفرقاطات إلى منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) في غزة، ثم ازداد هذا التواجد بعد التدخل الحوثي في الأحداث، بحرياً، كطرف مساهم في الحرب ضد إسرائيل وأميركا وضد العالم الغربي والعالم العربي من خلال عرقلة واستهداف حركة الملاحة البحرية عند مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، سارعت كل من روسيا والصين وإيران إلى إرسال مدمرات وفرقاطات إلى المنطقة، فتباينت التحليلات والدراسات في تفسير هذه المبادرة، حيث اعتبرها البعض خطوة جريئة لتحدي أميركا وبريطانيا، ورأى فيها آخرون استعداداً للمساهمة في دعم الجهود الأميركية لضمان أمن الملاحة من دون توسيع رقعة الحرب، فيما قرأ فيها البعض تحذيراً من هذه الدول للولايات المتحدة بأنها تستطيع تغيير الموازين ولا يمكن تهميشها. البعض أيضاً اعتبر المبادرة رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بأن أمن البحار مسؤولية الجميع. وثمة تحليلات وآراء أخرى كثيرة، لكن الحقائق التي أفرزها استهداف الحوثيين للسفن التجارية ودقة إصابة هذه السفن تبين أنَّ هذه التحليلات بعيدة عن الواقع.

إنَّ الشكل الظاهري للتواجد البحري الصيني والروسي والإيراني هو لحماية أساطيل السفن التجارية لهذه الدول، وضمان عدم تعرضها للضربات الصاروخية والمسيرات. أما الشكل الباطني والحقيقي فهو أن هذه الدول قدمت للحوثيين دعماً تكنولوجياً صاروخياً ووزودتهم بالمسيرات وبأحدث التكنولوجيا الموجودة لديها، ودليل ذلك دقة إصابة الحوثيين الأهداف على مسافات بعيدة جداً، وكأنما هذه الدول استدرجت الولايات المتحدة لمواجهة هذا الفخ التكنولوجي المتطور الذي تم تسخيره للحوثيين، فقامت هذه الدول بإرسال بوارجها ذات التكنولوجيا العالية لمراقبة مدى فعالية التكنولوجيا الموجودة لدى الحوثيين أمام البحرية الأميركية. فكل ما تمتلك هذه الدول من رقي تكنولوجي سلمته، بإشراف الحرس الثوري الإيراني المتواجد على الأرض، للحوثيين لتشغيله ومحاولة إحباط الهجمات الأميركية والبريطانية والتقليل من فعاليتها وردعها.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

وقد أكدت عمليات استهداف قادة الحرس الثوري مع الحوثيين في اليمن من قبل طائرات الأسطول الأميركي قبل أيام هذه الحقيقة، وأثبتت أنَّ أميركا على دراية كاملة بتدخل الصين وروسيا وإيران في دعم الهجمات الحوثية تكنولوجياً، فقد أجابت القوة الجوية الأميركية على التكنولوجيا الصينية والروسية والإيرانية بأنها أعجز من أن تواجه المارد الأميركي، حيث حققت الضربات الجوية الأميركية نجاحات مذهلة، ودمرت كل الأهداف، ومنها مقرات القيادات العسكرية الحوثية، وقتلت قادتها وقادة الحرس الثوري الإيراني المشغل لهذه التكنولوجيا.

الصين أرادت تجربة التكنولوجيا الخاصة بها في اليمن، لعلها تقوم بتطبيقها في بحر الصين الجنوبي في حالة نجاحها، استعداداً لنشوب صراع بحري مع الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك فعلت إيران لمواجهة الأساطيل الأميركية في الخليج العربي وبحر العرب، والأمر لا يختلف عند الروس، الذين يتخوفون من دور الأساطيل الأميركية في حالة الحرب مع حلف الناتو.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

هذا الفشل الإيراني والروسي والصيني سينعكس بالتأكيد على الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد تشعر هذه الدول باستحالة مواجهة القوة العسكرية الأميركية في البحر، ويمكن اعتبار ذلك هزيمة مبكرة لتكنولوجيا الدول الرئيسية التي تكن العداء للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية في العالم، والتي شكلت تحالفاً غير معلن لمواجهة أميركا، إلا أن الواقع أوضح أن لا مجال لمقارنة الآلة العسكرية الصينية الروسية مع الآلة العسكرية الأميركية المتفوقة بشكل كبير. إنَّ مثل هذه الحروب الجانبية مع الحوثيين ومع أوكرانيا وغيرها إنما هي اختبارات لمدى قدرة هذه الدول المعادية لأميركا على هزيمة حلف الناتو في حال نشوب حروب بالمواجهة المباشرة.

مع هذه الاختبارات، أصبح يقيناً عند روسيا والصين وإيران أنَّ المواجهات البحرية مع البحرية الأميركية ستفضي إلى هزيمة غير عادية. لذلك، لا يمكن التكهن بحدوث حرب عالمية ثالثة مع هذا الفارق الكبير في القدرات التسليحية عند الأطراف المرشحة لدخول هذه الحرب، وقد يكون حدوث حرب مماثلة شبه مستحيل، بناءً على ما أفرزته المعطيات، وستخضع هذه الدول بشكل أو آخر عاجلاً أم آجلاً للضغوطات الأميركية سياسياً واقتصادياً وأيدلوجياً، مجبرة لا مخيرة.

إقرأ أيضاً: رهائن لدى الولي الفقيه

ولا ننسى أنَّ هذا هو الاختبار الأهم لهذه الدول ضد المعسكر الغربي بعد سلسلة اختبارات بدأتها في تصدير فيروس كورونا الذي سبب أزمة عالمية، ثم محاولة ضرب تدويل الدولار الأميركي، ثم حرب أوكرانيا، وتلتها حرب الوقود وحرب الحبوب، وجميع المحاولات والاختبارات أثبتت فشلها أمام قوة العالم الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية علمياً واقتصادياً وعسكرياً على الأرض وفي البحر وفي الجو، فما ينتظرون؟