لن تكون إسرائيل آمنة إذا لم توافق على قيام دولة فلسطينية آمنة، ولن توافق السعودية على وضع الممر الهندي الإسرائيلي الأوروبي موضع التنفيذ من دون الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وهذا لا يتحقق من دون القضاء على أذرع إيران في المنطقة التي تهدد أمن إسرائيل، لا أمن السعودية، بعدما توصلت الرياض مع طهران عبر بكين إلى تهدئة.
لقد أشعر طوفان الأقصى إسرائيل بتهديد أمنها، ومضت بعيداً في تدمير قطاع غزة وتحويله إلى منطقة منكوبة غير صالحة للسكن، ما تسبب بنزوح نحو 1.9 فلسطيني داخل القطاع، من أجل تصفية الثقل السكاني في غزة وإجبار أهلها على النزوح إلى سيناء أو الأردن، ما جعل السعودية تسارع إلى عقد قمتين، عربية وإسلامية، كما شكلت مجلساً رئاسياً بقيادتها وجيشت العالم، وبشكل خاص مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى وقف فوري للنار وإدخال المساعدات إلى القطاع المنكوب.
إنَّ خيار إقامة الدولتين هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن أحداً من الطرفين لن يستطيع القضاء على الآخر، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الدول العربية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية التي تمثل الفلسطينيين، بقيادة السعودية، قبلت المبادرة العربية في بيروت عام 2002، وهو يمثل تحولاً كبيراً عن قرار الجامعة العربية الصادر في الخرطوم في أيلول (سبتمبر) 1967، والمعروف بلاءاته الثلاث، وهي لا تفاوض ولا اعتراف ولا سلام، حتى ميثاق حماس الذي صدر عام 2017 أتى بقبول دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، وهو اعتراف بإسرائيل ولو كان ضمنياً، لكنَّ إسرائيل راهنت على عسكرة قوتها، ولم تتوقع أنَّ طوفان الأقصى يغير من نظرتها الأمنية، ما جعلها تتجه نحو العقاب الجماعي لشعب أعزل.
إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟
وقد أكد مارك ريغيف، مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لشبكة CNN أنَّ إسرائيل تعتزم منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً من دون تمكينهم من القدرة على تهديد أمن إسرائيل، وأن الوصول إلى هذه الصيغة للحكم سيفيد الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وأكد ريغيف أنَّ على الفلسطينيين أن يتفهموا مخاوف إسرائيل الأمنية على أنها مخاوف مشروعة، وعليهم أن يتفهموا أن أي مناطق متاخمة لإسرائيل يجب أن تؤمن الترتيبات اللازمة بما يسمح لها بالدفاع عن نفسها.
وتتابع السعودية التطورات بشكل دقيق، وموقفها ثابت من إقامة الدولة الفلسطينية، ولا تقبل أقل من ذلك لوقف التوتر في المنطقة، ووقف المتاجرة بالقضية الفلسطينية، لتقود السعودية المنطقة وتحولها إلى أوروبا الجديدة. وهناك تلميح للرئيس الأميركي جو بايدن إلى وجود دول في الأمم المتحدة لا تملك جيوشاً، ما يظهر أن فكرته تعني أنه يريد دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وبدأ بايدن يقنع نتنياهو، بعد انقطاع امتد نحو شهر، بوجوب إبداء بعض المرونة، والانحناء لعاصفة حادة تتعرض لها الإدارة الأميركية من داخل الحزب الديمقراطي، فضلاً عن العتب الذي يواجهه من السعودية التي ربطت التطبيع مع إسرائيل بالحديث عن حل مناسب للقضية الفلسطينية.
ويجد بايدن أنَّ إعلان الدولة الفلسطينية يكفل امتصاص الغضب المتنامي داخل حزبه بسبب الدعم الكبير الذي قدمته واشنطن لإسرائيل، وهي بذلك تشارك في إبادة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تقويض دورها في منطقة الشرق الأوسط، ما يمنح قوى أخرى فرصة ملء الفراغ، خصوصاً الصين وروسيا، وبالفعل حماس تبحث عن دعم روسي لها.
إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟
إنَّ اعتداء الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر أنهى حالة الحياد الدولي الذي منع السعودية من تحرير الحديدة في 2018 من أجل حماية ممرات البحر الأحمر، وهو ما يشكل مساعدة غير مباشرة للحوثيين، خصوصاً عندما أوقفت واشنطن ولندن وبرلين تزويد السعودية بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، لكنَّ السعودية رفضت المشاركة في التحالف لضرب الحوثيين، وفضلت الالتزام بالتهدئة التي رعتها الصين مع إيران.
لقد كانت استراتيجية أمريكا تختلف عن استراتيجية السعودية في 2015، فأميركا وقعت اتفاقاً نووياً سلمياً مع إيران، لكن السعودية واجهت الحوثي وإيران كمليشيات طائفية معتدية في اليمن الذي يهدد أمنها، وتسيطر على الممر الحيوي في مضيق باب المندب، فشكلت تحالفاً بين الدول المتشاطئة عام 2018 لحماية أمن البحر الأحمر، بينما اليوم، بعد التهدئة مع إيران، تغيرت المعادلة تماماً، وأصبحت أميركا هي من تواجه إيران وأذرعها في المنطقة، خصوصاً بعدما ورط الحوثيون أنفسهم باستهداف ممرات الملاحة في البحر الأحمر، وهناك نحو 75 من عناصر حزب الله ومن الحرس الثوري ومن الحوثيين تم استهدافهم عندما تم استهداف منصات إطلاق الصواريخ، ولا يزال خبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يتولون إطلاق الصواريخ البالستية، إذ قرار إطلاق هذه الصواريخ لا يتم إعلام الحوثيين به حتى في مناطق سيطرتهم.
إقرأ أيضاً: استراتيجية نظام الولي الفقيه بين أزمة غزة والأزمات الداخلية
لقد تحول استهداف البنى التحتية إلى استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، فقد قتل خلال الأسابيع الماضية رضى موسوي قرب دمشق، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله، والقيادي العسكري في حزب الله وسام الطويل في جنوب لبنان، وفي منطقة المزة قتل ستة أشخاص بينهم قائد الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وهي ضربات تتزامن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فيما عمليات الاغتيالات متواصلة.
التعليقات