بداية الحديث سيكون بسؤال ملخصه هل نجحت فكرة السياسي المستقل في العراق؟

سيكون الواقع أبلغ المجيبين حين يُخبرنا "كلا"؛ المجتمع العراقي لم يألف مسألة التعددية الحزبية والانتقال المفاجئ من حكم الحزب الواحد إلى فوضوية الأحزاب واستنساخها بشكل هستيري بعد عام 2003 وفشلها السياسي المدوّي على الساحة العراقية، أوحى للغالبية من الشعب بأن تطالب بالسياسي المستقل دون حساب لاعتبارات نجاحه أو فشله، ومن غير أن تدعمه كتلة حزبية أو على الأقل كيف يواجه القوى الحزبية الأخرى التي تمتلك قوة السلاح والمال الذي قد يوازي قوة الدولة التي يحكمها هذا السياسي المستقل.

كل تلك الفرضيات غابت عن أغلب العقول، وبقيت فرضية أنه ما دام مستقلاً وليس متحزباً، فالنجاح حليفه، وما يشجع هذه الفرضية هو رأي الأغلبية الصامتة من الشعب في تجارب الأحزاب الفاشلة التي حكمت العراق بعد عام 2003 حين لم تكن من فراغ.

بالطبع سيُثار السؤال التالي، وهو: هل المصيبة بالتوجه الحزبي أم بأفراده؟ سؤال قد تُستمد إجابته من واقع تقييم الأنظمة السياسية التي تقود معظم الدول في العالم مثل بريطانيا، ألمانيا، وحتى أميركا، التي صنعت من الأحزاب السياسية المتآلفة والمختلفة نظاماً سياسياً في عراق ما بعد 2003، وذات الوصف ينطبق على نجاح طبيعة النظام إن كان رئاسياً أو برلمانياً.

إقرأ أيضاً: انتقد حماس أو إيران.. فتصبح من "الصهاينة العرب"!

الوصف السياسي بالمستقل في العراق أثبت فشله بامتياز، مع الإقرار أنها فكرة ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة لاعتبارات أن أغلب المستقلين هم نماذج لامتدادات أحزاب كبيرة أو تحت غطائها بنسخ مختلفة متلونة لجذب الأصوات وتكديسها في صناديق الانتخابات تحت ذريعة السياسي المستقل، وإن صحت فرضية ذلك المستقل من الذين تسلموا السلطة في العراق فقد ظهرت عليهم ملامح الضعف في اتخاذ القرارات حتى أصبحوا عرضة للإبتزاز والخضوع أو غير قادرين على مواجهة المدّ الآخر من أحزاب السلطة، وفي حقيقة الأمر كانت فكرة صائبة لبعض أحزاب الإسلام السياسي التي وجدت ضالتها في هذه الفكرة من خلال تنصيب ساسة مستقلين وجعلهم كرؤساء للسلطة التنفيذية وتكون بذلك قد حققت الأمرين في هدف واحد وهو أن لا تتحمل مسؤولية فشلهم بعد أن ضمنت مصالحها ومنافعها الحزبية، بل والأغرب أنها كانت الحجر العاثر الذي يُعيق أي نجاح لذلك المسؤول المستقل وربما يصل الأمر إلى التخوف والقلق من نجاحه حين ترى أن الشارع بدأ يميل لذلك المستقل.

إقرأ أيضاً: رهائن لدى الولي الفقيه

هكذا هو الواقع السياسي في العراق الذي يريد من المسؤول التنفيذي المستقل أن يصبح مجرد معقّب معاملات ليس أكثر، أما على المستوى التشريعي فقد أثبت البرلماني المستقل هزيمته في اتخاذ أي قرار لصالح الشعب لاعتبارات أن أي قرار واجب الاقتراح يحتاج على الأقل إلى عشرة من الأعضاء حسب المادة 60/ثانياً من الدستور العراقي ولا يمكن له سحب الثقة عن الوزير المخل بواجبه إلا بعد الحصول على موافقة من 50 عضواً في البرلمان وللموافقة على سحب الثقة يحتاج لأغلبية مطلقة حسب المادة 61/ثانياً من الدستور.

إقرأ أيضاً: مقارنات حضارية للبحث عن الخلل!

بالرغم من أن التاريخ سجل لنا شخصيات عظيمة دخلت من أوسع أبوابه وكانت حزبية مثل نيلسون مانديلا العضو في "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"، والمهاتما غاندي في "حزب المؤتمر الوطني الهندي"، وتشي غيفارا في "الحزب الشيوعي"، إلا أنَّ فكرة المستقل ظلت في واقعنا السياسي فكرة مشوهة حين ذهب الناس إلى مفهوم أن السياسي المتحزّب هو الذي يفرض عليه التنظيم الحزبي قوانينه والعكس أي المستقل يعني اللاتنظيم.

استشراف النجاح من واقع الأمم الناجحة يخبرنا أن النجاح في عالم السياسة لا يفرض شروطاً أو محرمات للنجاح، واننا كما نرفض الحزب الفاشل يجب أن نرفض السياسي المستقل الذي يتاجر بعقول العامة تحت شعار الاستقلالية، وتلك أول خطوة على طريق النجاح كما نظن أو نعتقد.