لا أدري ما هو الشعور الذي انتاب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وهو يستمع في جلسة حوارية مع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كلمات الأخير يقول إن "أميركا ملتزمة بأمن إسرائيل"؛ كان من الممكن أن تمر هذه الكلمات مروراً عابراً لو كان الضيف غير رئيس وزراء العراق، لكن في شخص المسؤول التنفيذي الأول لبلد جاءت به مجموعات متآلفة يجمعها حمل السلاح تحت مسمى "الإطار التنسيقي" التي شكلت حكومة السوداني، فالأمر مختلف كلياً، ليبقى الجواب عاجزاً يأبى الخروج من أفواه الإطاريين حين يسمعون بايدن يُعلن التزام واشنطن بأمن إسرائيل أمام رئيس حكومتهم، وهم الذين كانوا يرفعون جِهاراً نهاراً شعار الموت لأميركا.
قبل أشهر من زيارة السوداني إلى البيت الأبيض، نشط الإعلام الحكومي ومعه النُخب المحسوبة على السلطة بالترويج لمسرحية إخراج قوات التحالف التي تقودها أميركا من العراق، وضرورة تفعيل هذا المطلب عند زيارة السوداني لواشنطن، وظلت الحجة مرفوعة بالرضا لهذه الزيارة طالما تحققت أهداف المقربين من طهران.
توهم هؤلاء أنَّ بايدن "الديمقراطي" سيكون مختلفاً عن الرؤساء الآخرين الذين استقبلوا قادة العراق الجديد، وخانتهم النصيحة واليقين أن أمن إسرائيل من الأولويات القصوى مهما تغير الرئيس في البيت الأبيض أو تبدلت الوجوه.
إبتدأ بايدن حديثه بالدفاع عن أمن إسرائيل وكأنه يوحي للسوداني بقوة الرابطة بين أميركا وحليفتها، وألا تفكر حكومة بغداد بتعكير تلك العلاقة الاستراتيجية، فهي بالنهاية رسالة لطهران التي تحمي شخوص العملية السياسية.
بالتأكيد لو حدث هذا الكلام أثناء استقبال "الجمهوري" دونالد ترامب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مثلاً، لسقطت عروش في العراق ولرأينا أصواتاً وأفعالاً تطالب بإسقاط الحكومة ورفع الشرعية وسحب الثقة منها، لأنها متواطئة أو على الأقل تلوذ بالصمت الذي هو من علامات الرضا مع الشيطان الأكبر في الدفاع عن أمن إسرائيل وتتغاضى عن البوح عن شعورها أو رأيها من المُسيّرات والصواريخ الإيرانية التي طالت إسرائيل.
إقرأ أيضاً: ومن الرأي ما قتل
ماذا سيقولون لجمهورهم وأي تبرير سيخوضون في غماره بعد كل ذلك الحديث؟ والأهم ماذا سيكون جوابهم أمام إيران التي تنتظر منهم إدانة لأفعال إسرائيل وتأييداً لأفعالها؟
يحاول السوداني أن يكون محايداً في الصراع الإقليمي الذي بدأ يكبر مثل كرة الثلج، وضرورة إبعاد قواعد الاشتباك عن مسرح العراق أو اللعب على لغة المصالح المشتركة، لكنه يتناسى أنه من الإستحالة أن يكون معارضاً ومؤيداً في ذات الوقت والجهة، وأنَّ اليد الواحدة لا يمكنها أن تحمل تفاحتي المقاومة والموالاة أو الرفض والولاء في آن واحد.
إقرأ أيضاً: الاشتباك على أرض محايدة
حاول السوداني وفريقه المرافق تثبيت الرأي القائل بتعزيز الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية فضلاً عن عقود سيتم توقيعها مع كبريات الشركات الأميركية من خلال فتح مجال الاستثمار في العراق، لكنه نسي سؤالاً مُلحاً يفرض نفسه، وهو هل تتحقق أمنيات حكومته بجلب كل تلك الاستثمارات في ظل وجود سلاح منفلت واستحضار الفاعل الإيراني المتحكم بالأمور الاقتصادية بالعراق؟ وهل ستغض إيران النظر عن ذلك التعاون الاقتصادي وهي التي تعتبر العراق الرئة الاقتصادية لإنعاشها؟ لننتظر ونرى نتائج ذلك عند انتهاء الزيارة وعودة الفريق إلى بغداد.
التعليقات