واجه النظام الإيراني في السنوات الأخيرة سلسلة من التحديات الداخلية والخارجية التي جعلت مستقبله موضع تساؤل. لم تقتصر تلك التحديات على الأزمات الاقتصادية والسياسية فحسب، بل شملت أيضاً تطورات اجتماعية وثقافية عميقة، بالإضافة إلى ضغوط دولية متزايدة. وقد مثلت هذه الأزمات اختباراً صعباً للنظام في طهران، مما قد يدفعه نحو مفترق طرق حاسم بشأن استمراريته وشكله المستقبلي.

تعيش البلاد أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة الاستبداد والفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، وعدم الشفافية في توزيع الثروات، مما فاقم الأوضاع وأدى إلى تصاعد حالة الاستياء الشعبي وظهور موجات من الاحتجاجات. كما يعاني القطاع المصرفي من أزمات سيولة حادة، على الرغم من المدخولات المالية الهائلة للبلاد. وقد أدى كل ذلك إلى تآكل شرعية النظام لدى غالبية الشعب، خاصة الطبقات المعدمة والفقيرة والمتوسطة، التي أصبحت توقن أن النظام سبب لمآسيها.

على الصعيد الدولي، يواجه النظام الإيراني رفضاً شديداً بسبب تورطه في صراعات إقليمية متعددة مثل سوريا واليمن، الأمر الذي أدى إلى تزايد العزلة الدولية. أما أبرز التحديات التي يواجهها نظام الملالي اليوم فهي التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية الكبيرة داخل المجتمع الإيراني. قرابة 60 بالمئة من سكان إيران هم دون سن الثلاثين، وتعاني الغالبية العظمى من هذه الفئة من البطالة وقيود صارمة على الحريات الشخصية، خاصة فيما يتعلق بالنساء.

تشهد البلاد في الوقت ذاته نهضة نسوية كبيرة، حيث قادت النساء العديد من الاحتجاجات مقتديات بنساء منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، مطالبات بإنهاء القوانين التمييزية بحق النساء مثل الحجاب الإجباري والتمييز في سوق العمل وشؤون الأسرة.

ماذا بعد؟
أمام النظام الإيراني خيارات عدَّة، جميعها صعبة ومعقدة. استمراره على نهجه الحالي من القمع الداخلي والتوسع الإقليمي والتحدي الدولي قد يؤدي إلى المزيد من العزلة والمزيد من الاحتجاجات، انتهاءً بانهيار النظام على المدى الطويل. من ناحية أخرى، قد يحاول النظام تقديم تنازلات داخلية أو التفاوض مع قوى الاسترضاء العالمية لإيجاد مخرج من أزماته. هذا أكبر دليل على ضعف النظام وهروبه من أزماته إلى الأمام بتقديم التنازلات التي دأب عليها، مضحياً بحلفائه وجنوده وضارباً بشعاراته عرض الحائط.

ماذا وراء سياسة ومناورات وردود أفعال النظام الإيراني؟
منذ استيلاء الملالي على ثورة عام 1979، دفع الغرب النظام الإيراني ليكون لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط. ولم يخلُ هذا الدور من التوترات والاضطرابات على مختلف الأصعدة. سياسة النظام الإيراني، سواء الداخلية أو الخارجية، تتسم بالعديد من التناقضات والمناورات التي تسعى إلى تعزيز مصالح النظام وضمان استمراريته.

إحدى أهم أولويات النظام الإيراني هي الحفاظ على بقائه واستمراريته وحماية النظام السياسي الحالي. تسيطر هذه العقيدة على تفكير قيادات نظام ولاية الفقيه وتحدد مسار السياسات الداخلية والخارجية. لذلك، تُعتبر أي تحركات تهدد بقاء النظام تهديداً وجودياً، يستدعي ردود فعل حادة وصناعة أزمات إقليمية وعالمية.

يأتي قمع الاحتجاجات الشعبية مثل تلك التي اندلعت عام 2009 عقب الانتخابات الرئاسية، أو انتفاضتي 2019 و2022، كانعكاس لهذه السياسة. فالنظام يرى في أي حركة شعبية مطالبة بالتغيير أو الإصلاح تهديداً مباشراً لوجوده. ولذا، يستخدم كل ما في جعبته من أدوات قمعية للسيطرة على الأوضاع. وهنا تتجلى مناورات النظام السياسية في محاولته تصوير أي احتجاجات أو انتقادات داخلية على أنها مؤامرات خارجية تهدف إلى تقويض الاستقرار، سعياً منه إلى خلق مبررات لقمع أي حراك شعبي بالقوة.

على الصعيد الخارجي
يسعى النظام الإيراني إلى توسيع نفوذه في المنطقة كوسيلة لضمان أمنه الداخلي. يتدخل ملالي إيران في العراق، سوريا، اليمن، ولبنان من خلال دعم حلفائها المحليين مثل "حزب الله" أو "الحوثيين"، ضمن توجهها لبناء "هلال شيعي" يضمن لها دوراً مهيمناً في الشرق الأوسط. كما يشكل هذا النفوذ حواجز خارجية ضد أي تهديدات إقليمية. ويعتبر النظام أن انخراطه الإقليمي ضروري لحماية حدوده وأطماعه الاستراتيجية وإبعاد أي تهديد عسكري مباشر عنه.

وجود "الحرس الثوري" في قلب السلطة يمكّن النظام من فرض قبضته الحديدية على الشؤون الداخلية، وممارسة نفوذه في الخارج من خلال العمليات العسكرية والاستخباراتية. وعلى الرغم من ذلك كله، يبقى النظام في أصعب خياراته، حيث يفقد كبريائه وثقة أنصاره إقليمياً، بعدما فقدها داخلياً.