حالة من التفاؤل تلوح في الأفق داخل قطاع غزة، بعدما انطلقت جولة ثانية من حملة التلقيح ضد شلل الأطفال وسط القطاع في ظل استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عملياته العسكرية في الداخل.
وشاهدنا ممثلي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهم يوزعون السلسلة الثانية من اللقاحات ضد الشلل على أطفال المنطقة الوسطى من قطاع غزة، ضمن الجولة الثانية من التطعيم التي تعتبر جولة أساسية للأطفال.
وحشدت "الأونروا" أكثر من ألف عامل من أجل تطعيم الأطفال وتسليم اللقاحات. وبالرغم من الجهود المكثفة لحملة التطعيم ضد شلل الأطفال ونجاح المرحلة الأولى منها، إلا أنها تعمل في مناطق محددة في غزة، فوضع الصغار في مختلف مناطق القطاع يحتاج جهوداً واسعة النطاق للقضاء على خطر انتشار الوباء.
وحتى الآن، تلقى أكثر من 560 ألف طفل دون العاشرة الجرعة الأولى خلال المرحلة الأولى من التطعيم، بينما تستهدف الحملة الثانية توزيع الجرعة الثانية من اللقاح لجميع الصغار. ونجحت الحملة حتى الآن في تطعيم 93 ألف طفل في الجولة الثانية، وتأمل الأونروا تطعيم أكبر عدد ممكن من الأطفال، وقد يحدث هذا في حالة واحدة وهي أن ترفع سلطات الاحتلال يدها عن قطاع غزة، وتهدأ أصوات القنابل والدبابات، وأن يترك الاحتلال الأهالي يعيشون في سلام.
ربما يكون هذا حلماً بعيداً في ظل تلكؤ الاحتلال بتتبع عناصر حركة حماس وسط المدنيين في رفح ومناطق الإيواء المنثورة في أرجاء القطاع على حساب المدنيين. فلم يرحم الاحتلال بكاء الأطفال المرضى وإنسانية الأمهات، فيصول ويجول بينهم ويقتل ويدمر بلا رحمة، غير مكترث بأناس يريدون العيش على أرضهم بأبسط أساسيات الحياة.
وإذا افترضنا نجاح الجولة الثانية والثالثة والأخيرة من حملة التحصين ضد شلل الأطفال، فأفضل لقاح للأطفال هو وقف إطلاق النار وحلول السلام حتى ينعموا بحياة هادئة دون قصف أو موت أو فقد أو مرض. ولكن من يخبر قيادات الاحتلال بذلك؟!
ورغم استمرار العمليات العسكرية للاحتلال، إلا أن حملة التطعيم تواصل عملها تحت ظروف صعبة، وهي تتكون من ثلاث مراحل: الأولى في المنطقة الوسطى في دير البلح، والجولة الثانية في محافظتي خان يونس ورفح، أما الجولة الثالثة والأخيرة فستكون في محافظتي غزة والشمال. ويتم إعطاء الجرعة الثانية من طعم شلل الأطفال الفموي، إضافة إلى فيتامين (أ) الذي يعزز مناعة الأطفال ويساعدهم في مقاومة العدوى، ويساهم في تحسين الرؤية والنمو السليم. هذه الحملة تستهدف تطعيم 590 ألف طفل دون سن العاشرة، بحيث يتم نشر فرق ثابتة ومتحركة لإتمام الحملة.
ربما تنجح الحملة هذه المرة في إتمام عملها، ولكن نجاحها هذا مرهون بالهدنة الإنسانية لضمان قدرة جميع العاملين في مجال مكافحة شلل الأطفال على العمل في بيئة آمنة، وتمكين الأسر من الحصول على التطعيم للأطفال حتى تسير عملية التطعيم بوتيرة طبيعية وجيدة بدون معوقات من الاحتلال، لأن من الضروري حصول جميع أطفال القطاع على حقهم في هذا التطعيم ليكون الحق الوحيد الذي يحصلون عليه من كامل حقوقهم في الرعاية الصحية التي أبادها الاحتلال.
وتقديم الرعاية الصحية في غزة يواجه الكثير من التحديات المستمرة التي لا تنقطع، فتواجه الفرق الطبية المعنية بحملة التطعيم ضد شلل الأطفال صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ضعف الإمكانيات وتدهور الوضع الأمني نتيجة الاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي. كما يتفاقم خطر تفشي أوبئة أخرى مثل الكوليرا والأمراض التنفسية والجلدية المعدية وسط النازحين، إلى جانب تدهور الظروف الإنسانية ومستوى الصحة العامة نتيجة وجود مياه الصرف الصحي غير المعالجة وملايين الأطنان من النفايات. كما أن هناك نقصاً حاداً في الأدوية التي تستخدم في علاج المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة والسرطانية والمصابين بسبب الحرب.
كل ذلك وأكثر، وعلى سبيل المثال، لا توجد إلا عشرة مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي من أصل 36 مستشفى موزعة في أنحاء القطاع. فقد دمر الاحتلال البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة، وبالتالي مات الكثيرون من المرض وآثار الحرب. كذلك انتشرت الأمراض مثل التهابات الجهاز التنفسي الحادة والعديد من الأمراض الجلدية الآخذة بالانتشار أكثر فأكثر، وسط نقص الغذاء والمياه النظيفة والإمدادات الطبية بسبب الحصار الشديد المفروض على القطاع. هذا غير المجاعة التي فتكت بالأطفال والمرضى وكبار السن، فيواجه أكثر من مليون من سكان غزة انعدام الأمن الغذائي الحاد والموت البطيء كل يوم. كما أن انهيار النظام الصحي يعني أن العديد من الأطفال الذين يعانون من إصابات أو أمراض يمكن علاجها لا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، مما يزيد من معدل وفيات الأطفال.
ربما يحتاج قطاع غزة هدنة إنسانية حقيقية لإعطاء فرصة للأهالي للحياة بعد أن يتوقف إطلاق النار في القطاع الذي يصارع الموت يومياً للحصول على أبسط حقوقه في الحياة.
التعليقات