بغض النظر عن كل التجاذبات السياسية التي تتلاعب بالمنطقة العربية، وبالرغم من كل ما يتعلق بلعبة (الكراسي الموسيقية) متأرجحة الثبات، عديمة استقرار درجة الميلان، نجد أن القمة العربية التي عقدت في بغداد مؤخراً لم تستطع الارتقاء إلى مستوى أي من القمم العربية السابقة قديمها وحديثها، وبذا لم تكن قمة بغداد أكثر من اجتماع تم فيه توثيق تبادل الصور التذكارية لوزراء الخارجية العرب ليس إلا.
لقد فشل العراق في مد جسور الدبلوماسية مع محيطه العربي منذ عام 2003، وذلك بعد إطلاق الولايات المتحدة الأميركية يد إيران فيه، وهيمنتها على شؤونه السياسية والاقتصادية والفكرية، وفقاً للأجندة التي تخدم أطماعها، وتحقق مآربها العقدية والجغرافية والإقليمية، هذا الإطلاق الذي جلب المصائب للعراق، وغيّب نهضته العلمية التي لمعت وتنامت، ثم وئدت فماتت على يد حكام ولاية الفقيه. ومن غير المعقول أن يتحول بهذه السرعة من يضمر لك الشر، ويتحين الفرصة للانقضاض عليك والتهامك، أن ينقلب إلى صديق حميم يقف بوجه من يشهر سيفه ضدك يهدده ويتوعده؟! إذ لم يعد خافياً على أحد ما قام به النظام القمعي الإيراني من تحريض لبعض أتباعه ومريديه في العراق ضد الثورة السورية وقيادتها، وبناءً عليه، فإنَّ القيادة في سورية تعلم علم اليقين أن نظام الملالي سوف يسعى جاهداً لإفشال قمة بغداد، فما كان منها إلا أن شاركت في قمة الرياض، وعدلت عن قمة بغداد التي خطط لها النظام الإيراني؛ بل وتعمد إفشالها، وذلك بإرساله قائد فيلق القدس الإرهابي إسماعيل قاآني قبيل انعقاد القمة بيومٍ واحد، والإعلان عن ذلك رسمياً من قبل أشخاص عراقيين تابعين لنظام الولي الفقيه، ما أدى إلى مقاطعة العرب لهذه القمة الهزيلة، مما أظهر حجم عزلة بغداد (الأسيرة) لنظام ولاية الفقيه، ومدى ابتعادها عن محيطها العربي في ظل هيمنة حكام ملالي إيران وابتزازهم المستمر لها تحت شعارات ومسميات لا تسمن ولا تغني.
إنَّ النظام الإيراني لا يستطيع التعمية على انتصار الثورة السورية، مثلما لا يستطيع الانفكاك من الاعتراف بحكومتها الجديدة، لأن المجتمع الدولي اعترف بها اعترافاً صريحاً، وتعامل معها بأرفع المستويات الدبلوماسية، بل مد يد العون مبدياً استعداده لتقديم كل ما يلزم من أسباب النهوض، وإعادة الإعمار، والتعاون في المجالات كافة، وذلك لرسم سورية الجديدة الواعدة بمستقبل مشرق تستطيع من خلاله تجاوز كل المحن التي مرت عليها بأقرب وقت ممكن.
إنَّ حكام إيران، بعد جملة الهزائم التي لحقت بهم، والذل الذي اصطبغوا به عقب انتصار الثورة السورية، باتوا ينظرون لأي تقدم تحرزه سورية في مسيرتها بعين الحسد وعدم الرضا، لأنهم يعون ضمنياً بأن انتصار الشعب في سورية لا بد أن يؤثر سلبياً عليهم، فانتفاضة الشعب الإيراني في حالة غليان وتوهج، وهي في تصاعد درامي لا يعرف الاستكانة، وهذا ما يقلق سلطة الولي الفقيه، ويشكل لهم هاجساً مخيفاً يقض مضاجعهم ويؤرقهم... وعاجلاً أم آجلاً ستنتصر المقاومة الإيرانية وشعبها، ويذهب نظام الملالي إلى الجحيم، وتسقط مخططات وسياسات تيار المهادنة والاسترضاء في الغرب، ويُسلّم العالم بأسره بمنطق أن النصر تصنعه إرادة الشعوب، وأن أفضل الخيارات هي الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني بدلاً من مساندة نظام الملالي الدكتاتوري والتغاضي عن جرائمه في إيران والمنطقة.
إنَّ كل المؤشرات الداخلية في إيران تشي بتصميم الشعب الإيراني على المضي قدماً في مناهضته لملالي إيران، مهما تصاعدت وتيرة القتل والتنكيل، وعلى المستوى الإقليمي تسير الأمور على عكس ما يشتهي ملالي إيران؛ إذ بات الضعف في الحضور والتواجد، أو الطرد من الاستئثار، عنوانين لا يبشران بالخير لحكام إيران، أما على المستوى الدولي، فالتضييق ماضٍ على جميع سبل اللعب والتلاعب بالوقت الذي راهن عليه النظام الإيراني؛ حيث التهديد (الأميركي - الإسرائيلي) يزداد حدة ووعيداً يوماً بعد يوم، والخطة الأساسية لضرب مواقع المفاعلات النووية الإيرانية جاهزة للتنفيذ بانتظار إشارة الهجوم، إضافة إلى وجود خطط بديلة متشعبة ومدروسة قادرة على تغطية كل ما يستجد من أمور، حينئذٍ سيكون موعد (العشاء الأخير) قد تم تقديمه، وبات خلف الباب ينتظر الإذن بإدخاله؟!
التعليقات