عندما يُذكر اسم البيشمركة يتبادر إلى الأذهان فورًا معنى الشجاعة والتضحية والفداء. هم الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم ووقفوا بوجه أعتى تنظيم إرهابي عرفه العصر الحديث، داعش، حين كان العالم كله يرتجف من اسمه. على أكتاف البيشمركة صمدت كردستان، وبدمائهم الزكية رُسمت حدود الأمان، وبوفائهم للتحالف الدولي تم دحر الإرهاب. لكن المأساة أن هؤلاء الأبطال الذين أصبحوا رمزًا عالميًا للحرية والبطولة يعيشون في الداخل واقعًا لا يليق بتاريخهم ولا تضحياتهم: رواتب زهيدة، خدمات شبه معدومة، ومعاملة لا تعكس مكانتهم. وكأن من حموا الأرض والعرض أصبحوا غرباء في وطنهم. هذا الظلم الصارخ جرح في ضمير كل كردي، ويجب أن يُقال بصوت عالٍ: البيشمركة مظلومون.
في زيارته الأخيرة إلى فرنسا، حظي الرئيس مسعود البارزاني باستقبال رسمي لافت من قبل عمدة باريس السيدة آن هيدالغو، وكذلك من وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه. ولم يتوقف الأمر عند اللقاءات الدبلوماسية بل تخطاه إلى مبادرة رمزية كبيرة حين قررت السلطات الفرنسية تسمية إحدى الحدائق أو الشوارع في باريس باسم البيشمركة تقديرًا لدورهم البطولي في محاربة تنظيم داعش والدفاع عن الحرية والإنسانية. واستُقبل أيضًا من قبل جموع غفيرة من أبناء الجالية الكردية في المهجر للترحيب به، وامتلأت وسائل الإعلام والتغريدات من المحللين والسياسيين بمدح الزيارة والإشادة بالاستقبال الكبير. غير أن المعيب حقًا أن كل هذه المنابر لم تتطرق إلى مأساة البيشمركة، ولم يوجه أحد منهم رسالة صادقة إلى المرجع الكردي للتذكير بحقوقهم. اكتفوا بالتقاط الصور والتهليلات الفارغة، بينما ظل صوت البيشمركة المخنوق غائبًا عن المشهد. وهذا بحد ذاته عار على من يدّعون تمثيل الإعلام الكردي.
وبينما يُكرَّم اسم البيشمركة في قلب باريس، نجد أنَّ واقعهم في الداخل الكردستاني مختلف تمامًا. فهؤلاء الأبطال الذين كانوا خط الدفاع الأول عن كردستان، وأوفياء للتحالف الدولي في القضاء على داعش، يعانون من تجاهل مؤلم: يتقاضون رواتب متدنية، أي أقل بكثير من الشرطة أو الجيش أو الحشد الشعبي. وبعضهم يُستغل في أعمال هامشية مهينة لا تليق بتاريخهم وتضحياتهم، حتى وُصفوا أحيانًا بأنهم يُعاملون كعمال نظافة في خدمة مصالح بعض المسؤولين.
سيادة الرئيس مسعود البارزاني، لقد كرّم العالم البيشمركة ورفع اسمهم عاليًا في باريس، لكن الأبطال في الداخل لا يزالون يعيشون واقعًا مزريًا لا يليق بتضحياتهم. آن الأوان أن يكون للتكريم الدولي رد فعل داخلي ملموس يليق ببطولاتهم ويصون كرامتهم: تخصيص مكافآت حقيقية لكل مقاتل شارك في معارك التحرير تقديرًا لتضحياته ووفائه للوطن، وخدمات صحية واجتماعية لعوائل الشهداء والجرحى، لأن حماية الوطن ليست مهمة فردية بل واجب جماعي تجاه من ضحوا بالغالي والنفيس، وإعادة الاعتبار للبيشمركة عبر وقف أي استغلال أو معاملة لا تليق بمكانتهم ليكونوا أبطالًا يُحترمون كما يجب. كذلك، زيادة رواتبهم بما لا يقل عن 200,000 دينار عراقي لتتساوى مع بقية الوظائف، ولتكون رسالة واضحة أن الدفاع عن كردستان ليس بلا ثمن ولا بلا اعتراف.
البيشمركة لم يقاتلوا من أجل المال بل من أجل حرية كردستان وكرامتها، لكن من العار أن يُكرّموا في الخارج ويُهملوا في الداخل. فلتكن باريس رسالة لكم، سيادة الرئيس: حان وقت إنصاف البيشمركة في وطنهم كما أنصفهم العالم.














التعليقات