لا يزال معبر البضائع على جسر اللنبي بين الضفة الغربية والأردن مغلقًا إلى أجل غير مسمى، عقب حادث إطلاق نار استهدف مدنيين إسرائيليين يوم الخميس الماضي، وبالرغم من أن الواقعة وُصفت بأنها "عمل فردي" وفق بيانات أمنية إسرائيلية، فإن تبعاتها تجاوزت مرتكبها لتصيب آلاف المدنيين الفلسطينيين، بعدما تحول المعبر من شريان تجاري وإنساني إلى أداة عقاب جماعي تعطل دخول الغذاء والدواء والوقود إلى قطاع غزة.
الرواية الإسرائيلية تقول إن قرار الإغلاق جاء كرد على "استغلال المعبر لأغراض عسكرية"، غير أن منظمات الإغاثة الدولية شددت على أن ربط حادث فردي بقرار إغلاق شامل "يعمّق المأساة الإنسانية ويخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني" ويحول المعبر إلى أداة عقابية للفلسطينيين.
كان ولا يزال معبر جسر اللنبي منفذًا أساسيًا لمرور البضائع والمساعدات إلى الأراضي الفلسطينية، حيث تعتمد وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية عليه لإدخال السلع الأساسية إلى غزة، لذلك فإن تعطيله يعني عمليًا توقف الإمدادات التي يعتمد عليها مئات الآلاف من المدنيين يوميًا.
وبينما تمسكت السلطات الإسرائيلية بقرارها واعتبرته "إجراءً أمنيًا لا بد منه"، صرخت منظمات الإغاثة وعبرت عن غضبها لأن المدنيين ليسوا طرفًا في النزاع، كما أن هناك منظمات حقوقية وصفت الإغلاق بأنه "إجراء عقابي جماعي محظور بموجب القانون الدولي"، في إشارة إلى المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
ويبدو أن استمرار إغلاق المعبر يتجاوز حدود الرد المشروع ويُصنف ضمن السياسات التي تستهدف السكان المدنيين، وهذا لأن الأمن لا يمكن أن يكون مبررًا لحرمان شعب كامل من أساسيات حياته اليومية.
أيضًا المدنيون الفلسطينيون يواجهون أزمة إنسانية ضخمة بسبب حادث فردي تحول إلى أداة عقاب جماعي، فنجد أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بشكل حاد منذ توقف الشاحنات عند المعبر، كما أن مخزونات الأدوية المخصصة لمرضى السرطان بدأت بالنفاد ما ينذر بكارثة صحية، وكالعادة يدفع المدنيون الثمن.
وبالرغم من تفاقم المأساة الإنسانية، إلا أن هناك حلولًا وسطية يمكن تطبيقها، كتشديد إجراءات التفتيش على الشحنات، أو السماح بمرور المساعدات تحت إشراف طرف ثالث دولي بدلًا من إغلاق شامل يقطع الأوكسجين عن المجتمع المدني.
وربما يعتقد صانعو القرار أن حرمان الفلسطينيين من الإمدادات الأساسية سيشكل رادعًا ضد أي محاولات مماثلة للهجوم، لكن هذا المنطق غير عادل، لأن العقاب الجماعي لم ينجح تاريخيًا في تحقيق الأمن بل على العكس قد يزيد من التوتر ويُفاقم مناخ العنف.
يبدو أن المجتمع الدولي مطالب الآن بإيجاد آلية واضحة تسمح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر، حتى في ظل الحوادث الأمنية الطارئة، وربما يكون إشراف الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر على حركة الشاحنات أحد السبل العملية لتجاوز أزمة الثقة بين الأطراف.
أيضًا قد لا يكمن الحل في إغلاق المعبر بالكامل، بل في تطوير أنظمة تفتيش تقنية متقدمة قادرة على كشف أي محاولات تهريب دون تعطيل تدفق البضائع، وربما يشمل ذلك استخدام أجهزة مسح حديثة أو نشر فرق تفتيش دولية تعمل باستقلالية عن الصراع السياسي، لأن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية في غزة، وربما يقود إلى أزمة إقليمية مع توسع تداعيات نقص الغذاء والدواء.
من هنا، يبرز واجب الأطراف كافة — إسرائيلية ودولية وفلسطينية — في التوصل إلى صيغة تحمي المدنيين أولًا، وتؤكد أن الأمن لا يجب أن يأتي على حساب الحق في الحياة الكريمة.














التعليقات