أصبحالقس تيري جونز، واحدا من أشهر الشخصيات على مستوى العالم بعد إعلانه عن مخطط لحرق القرآن يوم 11 أيلول / سبتمبر بمناسبة ذكرى الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية، ويصر جونز على تنفيذ مخططه رغم المعارضة العالمية لذلك.
ظل تيري جونز، هذا القسيس الأميركي في كنيسة Dove World Outreach laquo;دوف ويرلد آوتريتشraquo; مجهولا لا يعرفه سوى نحو 50 شخصا هم أتباعه.
لكن اسم هذا الرجل يتصدر الآن نشرات الأخبار وعناوين الصحف حول العالم بإعلانه المخيف إنه ينوي إحراق المصحف في باحة كنيسته بغينسفيل، فلوريدا، في الحادي عشر من الشهر الحالي تخليدا لذكرى الهجوم الإرهابي الشهير على الولايات المتحدة.
ورغم أن اسم الكنيسة نفسه (حمامة التواصل مع العالم) يوحي بالنبل والسلام والاعتدال في حد ذاته، فإن الكنيسة لا تلتزم بهذه القيم، وتشكل واحدة من وجوه الأصولية لبعض الكنائس الأميركية
وهذه الكنيسة ليست جديدة على إثارة الجدل في ما يتعلق بعدائها للمسلمين ودينهم. فقد احتلتالعناوين الرئيسة العام الماضي عندما وزعت قمصانًا حملت شعار laquo;الإسلام من عمل الشيطانraquo;.
يقول تيري في معرض تبريره اتجاهه لإحراق المصحف: laquo; نسعى إلى تشجيع الناس على هذا العمل تخليدا لذكرى اولئك الذين اغتيلوا في ذلك اليومraquo;، في اشارة الى قتلى هجمات 9/11. ويضيف قائلا: laquo;علينا تقديم رسالة واضحة الى العناصر الراديكالية الإسلامية. لن نسمح بعد الآن بأن تهيمن علينا تهديداتها وهواجسها. آن الأوان لأن تعود أميركا الى كونها أميركيةraquo;.
وأدانت سائر الجهات الرسمية الغربية إعلان جونز نيته إحراق كتاب مقدس يدين بتعاليمه ربع البشرية ووصفته بالمسيء والبشع وغيرها من النعوت.
وجونز ليس الوحيد بالطبع، فهناك النائب الهولندي غيرت ويلدرز، صاحب فيلم laquo;فتنةraquo; الذي يتعرض فيه للإسلام ويتهمه بأنه laquo;دين خطر وعلى أوروبا ان تمحو كل أثر لهraquo;. وهناك نِك غريفيث، زعيم laquo;الحزب الوطني البريطانيraquo;، الذي وصف الإسلام بأنه laquo;دين متخلف ووحشي في عنفهraquo;. وأورد ما قال إنهما مثالان على هذا وهما laquo;حدود الشريعةraquo; وlaquo;المعاملة المخزية للمرأةraquo;.
الفتيل الذي أشعل كل هذا بالطبع هو الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة المعروف باسم 9/11 والمعتبر الأكبر من نوعه في التاريخ سواء الأميركي أو العالمي، وسلسلة العمليات الإرهابية التي تبعته (وسبقته) في مختلف البقاع: حادثة لوكربي في العام 1988، وتفجير السفارتين الأميركيتين في تنزانيا في 1998، وتفجيرات جزيرة بالي الإندونيسية في 2002، والهجوم على شبكة المواصلات اللندنية التي صارت تعرف باسم 7/7 في 2005، والهجوم الكاسح على مومباي في 2008 وغير ذلك كثير وباكستان أفضل مثال على هذا.
وهذا عدا المحاولات الإرهابية الكبيرة الفاشلة: محاولة الانكليزي رتشارد (عبد الرحيم) ريد تفجير طائرة أميركية في الجو بقنبلة مرزوعة في حذائه في 2001، ومحاولة الطالب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تفجير أخرى العام الماضي بقنبلة مزروعة في سرواله الداخلي... وتتعدد الأمثلة وتشمل - على الأقل من وجهة النظر الأميركية - النية لبناء مسجد غراوند زيرو على مرمى حجر من مقر مركز التجارة العالمي في نيويورك. وهو المشروع الذي وصفه التيار الأميركي الرئيس بأنه laquo;محاولة لرفع راية المسلم المنتصر على أرض المسيحي المهزومraquo;.
ورغم احتجاج المسلمين ببراءتهم من أفعال laquo;القلةraquo;، فالحقيقة الساطعة هي أن الإسلام المعتدل (الأغلبية) خسر المعركة تماما أمام هذه القلة. ولم يشفع للمسلمين المعتدلين أن أقاربهم وأحبابهم أنفسهم ظلوا ويظلون ضحايا للإرهاب الإسلامي الأصولي الذي لا يميّز بين عدو وصديق، ومذنب وبريء، ورجل وامرأة، وكبير وصغير. وحتى اولئك المسلمون الذين سلموا منه جسديا، لم ينجوا منه في معايشهم وأرزاقهم وممارساتهم شعائرهم الدينية بحرية في البلاد التي لا تدين بالإسلام.
يوم الأربعاء التقت إذاعة laquo;إل بي سيraquo; الإخبارية اللندنية أحد رموز المسلمين الأميركيين وهو سلام المرياطي، مؤسس ورئيس المجلس الإسلامي للشؤون العامة في لوس انجليس، لاستطلاع رأيه في مسألة إحراق المصحف والسبب في هذه المعركة الدينية. فقال إن العالم لا ينقسم الى مسلمين ومسيحيين وغيرهم، وإنما الى أذكياء وأغبياء، وإن جونز ينتمي يجدارة عالية إلى هذه الفئة الأخيرة.
ومضى ليشرح أن الإسلام الحقيقي هو مهد الحضارة، وقال بوجوب التمييز بين laquo;الدينraquo; الذي ينتمي اليه السواد الأعظم من المسلمين وlaquo;القومية الدينيةraquo; التي تنتمي اليها عناصر مثل laquo;القاعدةraquo;، وإن هذه الأخيرة هي القلة المتطرفة التي نالت الاهتمام لأن صوت القنبلة أعلى من صوت المتكلم المعتدل.
ثم وجه اليه السؤال التالي: كيف وضع العالم الإسلامي نفسه في موضع يسمح بتعرضه للهجوم على هذا النحو؟ فأجاب قائلا إن عدة عوامل تضافرت لخلق هذا الوضع laquo;المؤسفraquo;. وقال إن أبرز هذه العوامل يتعلق بغياب الديمقراطية في العالم الإسلامي وبالفساد الحكومي الهائل، وباستغلال الطبقات الحاكمة الشريعة نفسها لقهر المواطنين والتعدي على حقوق المرأة مثلا.
خلاصة القول هي إنه بغض النظر عما إن كان الإسلام نفسه دين إرهاب أو دين سلام، فمما لا شك فيه هو أن التيار الأصولي الجهادي حسم هذه الفضية في أنظار العالم. ولئن كان تيري جونز يثير غضب العالم quot;الرسميquot; الآن بإعلانه نيته إحراق المصحف، (وحتى الشعبي الغربي الذي يرى في إحراق الكتب عادة ترجع الى العصور الوسطى)، فما كان له ان يقدم على عمل كهذا لولا أنه وجد التربة الصالحة لمثل هذه الفظائع.
التعليقات