من مفكرة سفير عربي في اليابان
كتبت جريدة اليابان تايمز في السادس من نوفمبر لعام 2007، مقالة بعنوان اختلاط الجنس وصراع الحصول على حقوق الرجولة. يوصف المقال، قصة شاب عربي في الثالثة والثلاثين من عمره، عاش طوال حياته كأنثى وهو في الحقيقة ذكر، وذلك بسبب خطاء في تشخيص معرفة جنسه بعد الولادة. كما أنه تزوج من رجل وعانى من هذه الزيجة. وشاءت الأقدار أن يكتشف الأطباء خطاء هذا التشخيص ومعالجته. وحينما انتهت مشاكله الطبية، بداء صراعه مع المجتمع، فصرح يقول في المقالة، quot;لقد تهجم البعض علي شخصيا، ويستغربون متسائلين كيف أشجع تصحيح الجنس. وحسب رأيهم، وجهلهم، بأن هذا حرام في مجتمعاتنا العربية. ولن أقول بأني لا أعاني من ضغوط مجتمعية شديدة، ولكن ما دمت أعرف بأن ما قمت به هو صحيح طبيا وأخلاقيا ودينيا، فلا يهمني ما يقوله الآخرين.quot; كما صرح محامي المريض بأنه يجاهد للحصول على الموافقة من دار القضاء لتصحيح جنس وأسم موكله في الجواز، كما أن مستخدمي موكله أصروا عليه أن يقدم استقالته من العمل.ولنتدارس عزيزي القارئ هذا الموضوع ونبدؤه بالأسئلة التالية: كيف يمكن أن يخطئ أحدا في تحديد جنس المولود؟ وكيف يحدد الأطباء هذا الجنس؟ يحدد عادة في الطفل الوليد جنس الأنوثة بوجود المبيض والرحم والمهبل وفتحة الفرج، بينما يحدد جنس الذكورة بوجود الخصية والبرستاتة والحويصلة المنوية والقضيب. ويعتمد الطب في حالات اختلاط الجنس على تشخيص الذكورة بوجود المورثة الجنسية الذكرية في الخلية، والخصية في الصفن، بينما يعتمد على تشخيص الأنوثة بتواجد الموروثة الجنسية الذكرية في الخلية، مع وجود المبيض داخل البطن. ومن الجدير بالذكر بأنه لا يمكن الاعتماد على الصفات الجنسية الأخرى فقط لتحديد الجنس. فمثلا يمكن أن يتضخم البظر فيشبه القضيب وتنغلق مع ذلك فتحة الفرج، فتبدو المولودة ذكرا مع أنها أنثى، وذلك بتشوه أنزيمي جنيني تزداد فيه هرمونات الذكورة. كما يمكن أن يختفي القضيب في المولود الذكر،وينفتح مجرى البول في جلد العانة، فتبدو هذه الفتحة كالفرج، فيبدو المولود أنثى مع أنه في الحقيقة ذكر، وذلك لتشوه هرموني جنيني ينعدم فيه تأثير هرمون الذكورة على تشكل أعضاء الجنين التناسلية. وتسمى مثل هذه الحالات باختلاط الجنسي الكاذب والمعروف بالخنوثة الكاذبة. ويعني ذلك بأن جنس المولود الحقيقي يختلف عن المظهر الخارجي لأعضائه التناسلية الخارجية. وحينما يصحح هذا الاختلاط يرجع الطفل لجنسه الحقيقي، ويكون طبيعيا. كما يمكن أن يجتمع المبيض والخصية، والرحم والمهبل مع القضيب والبروستاتة في بعض حالات اختلاط الجنس الحقيقية، ويسمى ذلك بالخنوثة الحقيقية، وتعني بأن يجمع الشخص بين الصفات الجنسية الذكرية والأنثوية. فيمكن أن يتزوج برجل ويحمل لكونه لديه الفرج والمهبل والرحم والمبيض. كما يمكنه أن يتزوج من امرأة ويحملها لكونه أيضا لديه الخصية والبروستاتة والقضيب. فتلاحظ عزيزي القارئ بأن التعريف الطبي للخنوثة هو اختلاط الجنس. وتكون الخنوثة الكاذبة شائعة جدا وتأخذ درجات مختلفة من الشدة، وتبداء بتشوه فتحة البول وعقوف القضيب وعدم نزول الخصية في الصفن، لكي تنتهي بأن تبدو الأجهزة التناسلية الخارجية أنثوية المظهر مع أنها في الحقيقة ذكرية ولكنها مختفية. أما الخنوثة الحقيقة فهي نادرة جدا جدا، ونسمع نادرا عنها في الاخبار المثيرة، كخبر رجل متزوج وعنده اولاد من حمل زوجته، واذا به هو نفسه يحمل ويلد طفلا. وقد يتسائل عزيزي القارئ ما هي المورثة الجنسية وكيف تقرر جنس الجنين وسلوكه الجنسي النفسي والذهني؟ يتكون جسم الإنسان من تريليونات من وحدات ميكروسكوبية تسمى بالخلية. وتكون مجموعة من هذه الخلايا الأعضاء كالمبيض والخصية والرحم والقضيب والجلد والعضلات والمخ. وتختلف بنية هذه الخلايا في المرأة عن الرجل. ففي الرجل تحوي الخلية مورثة جنسية ذكرية، بينما تحمل خلايا المرأة المورثة الجنسية الأنثوية. وتكون هذه المورثات الجنسية مسئولة عن نوعية الجنس جسميا ونفسيا وذهنيا. وتنتقل هذه المورثات الجنسية للجنين بعد التقاء الحيوان المنوي مع البويضة، واندماجهما، وبداء تشكل المضغة. ويتحدد جنس الجنين بنوعية المورثة الجنسية في الحيوان المنوي، فإذا كانت المورثة الجنسية ذكرية أصبح الجنين ذكرا، وإذا كانت المورثة الجنسية مؤنثة تحول الجنين لأنثى. وتكون المورثة الجنسية الذكرية مسئولة في الجنين عن تكوين الخصية، والتي تفرز هرمونات الذكورة وتودي لنمو قضيب الجنين ونزول الخصيتين للصفن. وبأنعدام المورثة الجنسية الذكرية يحافظ الجنين على شكله الأنثوي، فينمو المبيضين ويتشكل الرحم. وتشبه المورثة الجنسية الذكرية العصيات الميكرسكوبية على شكل الحرف انكليزي واي، بينما تكون المورثة الجنسية الأنثوية على شكل الحرف الانكليزي أكس.
وتذكرني معضلة هذا الشاب، بثلاث حالات مرضية تعاملت معها في خبرتي في جراحة الأطفال. فالحالة الأولى كانت لشابة في السادسة عشر من عمرها وقد حولها أحد أطباء الأذن والأنف والحنجرة لشكه في جنسها بعد أن لاحظ صوتها الخشن. وقد تبين بعد الفحص بأن المريضة في الحقيقة ذكر يحمل المورثة الجنسية الذكرية مع خصيتين مخفيتين داخل البطن، وبأن القضيب معقوف ومخفي تحت جلد العانة. وبعد مراجعة الطبيب النفسي للتأكد بأن تكوينه النفسي والذهني مذكر، تم إنزال الخصيتين للصفن، وصلح إنحناءة القضيب ومجرى البول. وقد تمكنت إدارة المستشفى بتصحيح جنسه وأسمه ببساطة في الجواز، كما نقل من مدرسة البنات إلى مدرسة للبنين. وقد تزوج هذا الشاب بفتاة من أهله بعد عشر سنوات من اجراء العمليات اللازمة له.

والحالة الثانية لطفل في الخامسة من العمر، حوله أخصائي الجلد لشكه باضطراب هرموني لأصابته بحب الشباب في سن مبكر. وكان القضيب طبيعي الحجم، ولكن لم توجد الخصيتين. وكانت الموروثة الجنسية أنثوية. وتبين من الفحص بأنها أنثى وبها مبيضين ورحم ومهبل، وبسبب تشوه جنيني في زيادة إفراز هرمون الذكورة، تضخم البظر ليصبح بحجم القضيب، وانغلقت فتحة الفرج. وقد تمت بسهولة تصحيح جنس الفتاة، بتصغير البظر وإخفاءه تحت العانة، وأجراء عملية لفتح فتحة المهبل على الجلد. فرجعت الطفلة لجنسها الطبيعي، وتزوجت بعد خمسة عشر عاما من العملية ورزقت بثلاثة أطفال.

والحالة الثالثة كانت لفتاة في الثالثة عشر من العمر، وقد حولها طبيب العائلة لشكواها الدائمة بإحساسها بأنها ذكر وليست أنثى. وتبين بعد الفحص بأنها تحمل المورثة الجنسية الأنثوية، وبأن لديها مبيضين ورحم ومهبل وفرج طبيعيين. وتبين من الفحص النفسي بأن نفسيتها وذهنها واحساساتها وعقلها الباطني مرتبط بالذكورة. فمع أن جسمها جسم أنثى طبيعية تماما، بوجود المورثة الجنسية الأنثوية والمبيضين والرحم والمهبل والفرج والبظر، ولكن أحساستها الداخليه وتهيئتها الذهنية معكوسة بأنها ذكر وليست أنثى. والمشكلة التي عانتها هذه الفتاة كان إنجذابها وحبها الدائم للبنات، كما كررت بأنها تريد أن تتزوج من امرأة، لإحساسها الدائم بأنها رجل. وتكمن المشكلة في هذه الحالة الأخيرة بأن هناك تشوه في المورثة الجنسية الانثوية. وتتكون هذه المورثة من الالاف من قطع أقراص صغيرة تسمى الجينات. وكل جزء من هذه الجينات مسئول عن تكوين عضو معين. فهناك جينة مسئولة عن تكون المبيض، وجينة أخرى مسئولة عن تكون الرحم، وثالثة مسئولة عن تكون المهبل. كما أن بعض هذه الجينات مسئولة عن التكوين الجنسي النفسي والذهني. فبوجود الجينات النفسية والذهنية الجنسية المؤنثة يتكون الإحساس النفسي والذهني الأنثوي. ومن الممكن في بعض التشوهات الولادية، أن يكون الجزء من جينات المورثة الجنسية المؤنثة المسئول عن تكوين المبيض والرحم طبيعي، ولكن الجزء المسئول عن التشكل النفسي والذهني يكون معكوسا ومشوها، باحتوائه على الجينات الجنسية النفسية الذهنية المذكرة. فتحس البنت بأنها رجل، وتنجذب للمرأة، مع أن أعضائها التناسلية أنثى. كما يمكن أن يحدث العكس فيكون هناك اضطراب نفسي وذهني في شخص يكون جسميا ذكر، أي بأن يكون لديه شعر باللحية ومفتول العضلات، ولديه خصيتين وقضيب، وبخلاياه المورثة الجنسية الذكرية. ولكن يحس من الناحية العقلية والنفسية والذهنية بأنه أمراءه. فينخلق عنده صراع باطني وعذاب بين الذكورة الخارجية والأنوثة الباطنية. والذي يزيد الطين بلة هو الضغط الاجتماعي الذي لا يرحم بين الإشاعات والقيل والقال، وعدم قبول المجتمع بتفهم هذه المعضلات الجنسية النفسية الذهنية المعقدة.
وليسمح لي القارئ العزيز أن أعرض مشكلتين أخربتين متعلقة بهذا لموضوع حول تغير الجنس المتعمد. فمن المعروف في المجتمعات القديمة بأن الحكام كانوا يخصون خدمهم لمنعهم من التعرض الجنسي لجواريهم. كما كان البعض يهتم لغناء الرجال بصوت المرأة، فيخصون الأطفال ويدربوهم على الغناء ليصبح الصوت متميزا لرجل بصوت امرأة. كما يقوم بعض تجار الجنس بتربية الأطفال الذكور ليصبحوا شاذين جنسيا بأعطأهم هرمونات جنسية أنثوية منذ الصغر ليحولوا ملامحهم الظاهرية لملامح أنثوية، ويوجهون رغبتهم الجنسية من الإناث للذكور.

ويمكن أن تصنف جميع هذه الحالات تحت ما يسمى باختلاط الجنس الولادي أو المكتسب؟، والذي يعبر عنه في مجتمعاتنا العربية بالجنس الثالث، والتي نتعامل معها لا كمشكلة طبية تحتاج لعلاج دوائي وجراحي ونفسي دقيق، بل يحاول البعض بنفي وجودها، أو التعامل معها كجريمة أخلاقية يجب أن يرجم أو يعدم صاحبها أو يدخل السجن.والسؤال لعزيزي القارئ هل تحتاج مجتمعاتنا العربية لدراسات علمية لمعرفة مدى انتشار هذه المعضلة؟ وهل سنحتاج دراسة أسبابها والعمل على علاجها والوقاية منها؟ وهل سنطور فرق طبية متخصصة للتعامل مع هذه المعضلة، تجمع بين العلماء والأطباء ورجال الاجتماع ورجال الدين لإيجاد طرق إنسانية للتعامل معها؟

سفير مملكة البحرين في اليابان

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية