يخطيء من يتصور أن السيد محمد علي السيستاني ــ المرجع الاعلى للطائفة الإسلامية الجعفرية ـ قد نأى بنفسه بعيدا عمّا يدور في العراق من أحداث ووقائع تتصل بمستقبل البلد وشعبه وتاريخه، وذلك بعد الدور الكبير الذي أضطلع به، خاصة مسألة ا لانتخابات، والدستور hellip; ويرى بعضهم أن السيد محمد علي السيستاني أثر الانزواء نهائيا بسبب الصدمة التي تسببت له جراء الإداء غير الموفق للقادة العراقيين في إ دارة البلد، خا صة أولئك الذين حُسبوا عليه بسبب ظروف ملتبسة بشكل وآخر، أو لانه أعلن مسبقا، بان منهج مرجعيته تقوم على عدم التدخل بالتفاصيل!
أعتقد إن السيد محمد علي السيستاني رقم صعب في العراق، بل رقم حاسم، وهو ما تدركه جيدا الولايات المتحدة الامريكية وكل انظمة الجوار العراقي، وأكثر العراقيين يرون ذلك، وكل المكونات والقوى العراقية تنتظر كلمته في كثير من الامور، لانها قوية ومؤثرة وضاغطة بل مؤسسة.
السيد محمد علي السيستاني قوة صامتة، ومراقبة، ولا يمكن أن يغيب موقفها في القضايا الكبيرة التي تتصل بموضوع العراق، ولعل في مقدمة هذه القضايا ما يطلق عليه المعاهدة الإستراتيجية بين العراق وأمريكا، وقد أعلن أن البدئ في تنفيذ المعاهدة سيتم بعد مناقشتها بين الطرفين من قبل أعلى المستويات الحكومية في البلدلن.
هذه المعاهدة أو سمها ما شئت لا يمكن أن تمر دون أن يتخذ أزاءها السيد السيستاني موقفا، خاصة وأن النظر فيها جيدا يشير إنها تشبه وصاية الا ب على إبنه القاصر.
المعروف عن السيد السيستاني إنه يستشير أهل الخبرة، ولا استبعد أنه الآن يدرس المعاهدة او الاتفاقية أو وثيقة التفاهم مع مستشارين عراقيين من الطراز الرفيع، ولا تمر فقرة من فقرات هذه المعاهدة او الاتفاقية أو الوثيقة دون أن يمحص النظر فيها على طريقة علماء الاصول والفقه، أي يحرص على أستجلاء الفاظها وكلماتها وفوارزها وحروف العطف فيها بدقة، وربما بسوء ظن مسبق بالامريكان، إضافة إلى إيمان مسبق بضعف القدرات السياسية العراقية!
المرجع الديني للطائفة الاسلامية الجعفرية كأكثر المراجع لا يثقون بالغرب، حتى إذا دعوا الى التعاون مع الغرب، فإن مثل هذه لدعوة قد تدخل في نطاق التكتيك، أو في نطاق المراهنة على الوقت، أو إمكانية الاستفادة دونما الخضوع للفخ الغربي، والانخراط بالتاير الغربي سياسيا وفكريا واستراتيجيا، ولذا أتوقع أن يكون موقفه ليس رافضا، ولكن مشككا، ومصححا، فهو يدرك أن العراق ليس له القابلية على ا لرفض المطلق، والقبول المطلق قد يؤدي إلى إنخراط عراقي كامل تحت سطوة الإرادة الامريكية، ولذلك قد يكون الموقف الذي سيبدر منه يعتمد الموازنة.
لقد برهنت الاحداث ان السيد محمد علي السيستاني يلعب دوره بهدوء، وهو كما يبدو لا يتفق مع الاساليب الثورية أو الانقلابية في معالجة المشاكل، مهما كا ن طرفا المشكلة، بل يعتمد الكلمة والحوار، مستفيدا من تجارب المرجعيات السابقة عليه في التعامل مع ا لمشاكل.
إن هم السيستاني سيكون في هذه المجال بالذات، هو تخليص المستقبل العراقي من الإ رتهان بهذه المعاهدة للولايات المتحدة الامريكية، وربما سوف يدعو إلى مناقشة هذه المعاهدة او الوثيقة أو الاتفاق مع أهل الخبرة والدربة السياسية، ويعلن عن رغبته بأن يكون للمثقفين العراقيين ومفكريه السياسيين دور ورأي في تقرير مصير هذه الوثيقةأو المعاهدة أو الاتفاقية.
لا أستبعد أبدا، ان السيد السيستني سيرسل ملاحظاته الجوهرية على بنود المعاهدة، وستكون ملاحظات قوية وحاسمة، تغلب المصلحة العراقية، وتجعل للإرادة العراقية الغلبة في إقرار النتائج النهائية، وربما يعلن ذلك عبر مكتبه أو على لسان ممثليه، وبالفعل، فقد صرح أحد ممثليه قبل أ يام وهو مهدي الكربلائي، بضرورة أن يتريث العراق قبل التوقيع على هذه المعهادة أو الوثيقة أو الاتفاق.
لقد كان للسيستاني كلمة في الانتخابات، وفي سن الدستور كمشروع بصرف النظر عن الفاصيل، فهل ستكون له كلمة قوية في هذا المجال؟
هذا ما تدل عليه طبيعة النشاط الذي أبداه الرجل، ليس في العراق، بل في كل العالم الإسلامي، خاصة فيما وجد شيعة أكثرية أو أقلية hellip;
العلاقة بين العراق والامريكان تهم السيد علي السيستاني بالعمق، ليس لانها تتصل بمستقبل العراق السياسي والاقتصادي فقط، بل كذلك الفكري، وعلاقة كل ذلك بما سيشهده العالم الاسلامي ككل، وبالتالي، من المستحيل أن لا يكون له هنا موقف، وموقف قوي! وأعتقد أن الامريكان يعرفون ذلك جيدا، وهم قلقون لذلك، وربما حكومة السيد المالكي هي الاخرى قلقة من ذلك.