من يستمع ألى الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله الأمين العام لquot;حزب اللهquot; في الذكرى الأربعين لعماد مغنية المسؤول العسكري والأمني للحزب الذي أغتيل غدرا في دمشق، يتأكد من أن لبنان مهدد. لبنان يتعرض لهجمة أيرانية- سورية تستهدف تفتيته والقضاء عليه. تلك الخلاصة التي يخرج منها بعد خطاب نصرالله أي عربي عاقل حريص على لبنان يرفض أن يكون الوطن الصغير مجرّد quot;ساحةquot; أيرانية - سورية تستخدم لأبتزاز العرب وغير العرب.
من هذا المنطلق لا قيمة تذكر لقمة دمشق ما دام ليس في أستطاعة العرب تسمية الأشياء بأسمائها وتحديد من المسؤول عن تعطيل المبادرة العربية في لبنان. كيف يمكن للعرب أن يجتمعوا فيما ألنظام السوري المتحالف مع النظام الأيراني يتابع حملته الهادفة ألى تكريس الفراغ الرئاسي في لبنان عبر تعطيل كل المؤسسات الشرعية اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. لم يعد ينقص سوى تعطيل مؤسسة مجلس الوزراء التي تقف حاليا في وجه عملية أسقاط لبنان وتفتيته.
ما يشهده لبنان حاليا محاولة جديدة لألغاء البلد عن طريق ميليشيا مسلحة تتلقى أسلحة وتمويلا من أيران عن طريق الأراضي السورية. في العام 1990، حاول صدّام حسين شطب الكويت عن خريطة المنطقة بعدما جعلها المحافظة العراقية الرقم 19. فشل في ذلك وخرج الشعب الكويتي منتصرا بفضل تضامنه أولا. في العام 2004، بدأت جهود سورية مماثلة لا هدف لها سوى تأكيد أن لبنان ليس سوى محافظة تابعة للجمهورية العربية السورية. كانت الخطوة الأولى على هذا الطريق التمديد لأميل لحود في رئاسة الجمهورية في سبتمبر- أيلول من تلك السنة. لم يكن الهدف من التمديد الذي أمر به الرئيس بشّار الأسد وفرضه بالقوة على النوّاب اللبنانيين حماية النظام السوري فحسب، بل تكريس أمر واقع أيضا. يتمثل الأمر الواقع في تثبيت تقليد فحواه أن يختار الرئيس السوري من يكون رئيسا للجمهورية في لبنان على غرار أختياره المحافظين أو رؤساء الأجهزة الأمنية في بلاده.
هذا ما يتعرض له لبنان حاليا. أنه أنقلاب بكل معنى الكلمة يستهدف وضع اليد عليه. ما فائدة قمة عربية لا يستطيع المشاركون فيها القول بالفم الملآن للرئيس السوري أن ليس من حقه تمرير أسلحة ألى لبنان ودعم ميليشيا مذهبية في البلد الجار، وليس من حقه أرتكاب جرائم في لبنان، وليس من حقه التخلص من كل من لا يعجبه في لبنان، وليس من حقه منع البرلمان اللبناني من أنتخاب رئيس للجمهورية بعد رحيل أميل لحود ألى منزله... وليس من حقه تسليط quot;حزب اللهquot; على وسط بيروت لضرب الأقتصاد اللبناني، وليس من حقه أرسال أرهابيين ألى مخيم نهر البارد لضرب مؤسسة الجيش اللبناني.
من حق لبنان على العرب الوقوف معه. وذلك يكون بأعلانهم صراحة أن مناورات النظام السوري لم تعد تنطلي على أحد وأن الحلف الذي أقامه هذا النظام مع النظام الأيراني في خطورة ما يمثله العدو الأسرائيلي من خطر على الأمن العربي. أنه محور أيراني- سوري يستخدم المذهبية في تحركه في المنطقة بدليل أن رأس حربته في لبنان حزب مذهبي مسلح لا همّ له سوى الدفاع عن المصالح الأيرانية. كل ما يريد quot;حزب اللهquot; أثباته أن أيران دولة على تماس مع أسرائيل كما أنها دولة على البحر المتوسط أضافة ألى أمتلاكها لقرار الحرب والسلم في لبنان والمنطقة. أليست مصلحة أسرائيل في أنتشار مثل هذا النوع من الأحزاب في المنطقة هي التي تصر على أن تكون دولة يهودية وألأعتراف بها على هذا الأساس في أي تسوية يمكن التوصل أليها مستقبلا، شرط أن تكون التسوية على حساب الحقوق الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية تحديدا؟
الموضوع يتجاوز القمة العربية. يذهب العرب ألى دمشق وهناك للمرة الأولى من ينادي بوجود توازنات جديدة في المنطقة نتيجة الأحتلال الأميركي للعراق وخروج أيران الطرف الوحيد المنتصر من الغزو الذي تعرض له بلد عربي كان ألى الأمس القريب عربيا ومن بين الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية. ما على العرب مواجهته في قمة دمشق حلف بزعامة أيران يمتد من طهران ألى بغداد... ألى دمشق. يسعى هذا الحلف ألى ضم بيروت أليه بشكل نهائي. لذلك نراه أقام مستعمرة مسلحة وسط المدينة على طريقة المستعمرات التي أقامتها أسرائيل في الضفة الغربية والجولان المحتل. ولذلك، نرى ألنظام الأيراني يحاول تغيير طبيعة المجتمع اللبناني من داخل بعدما وضع يده على الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان من جهة ومن خلال شراء الأراضي في مناطق لبنانية مختلفة للربط بين الجزر الأمنية التي أقامها في الوطن الصغير من جهة أخرى.
من دون هذا الفهم لطبيعة الصراع القائم في لبنان وأبعاده على الصعيد ألأقليمي لا حاجة ألى قمة عربية لا يوجد حتى الآن من يطبل لها سوى النظام السوري الذي يعتقد أن العرب سيأتون ألى دمشق لتغطية الأنقلاب الذي ينفذه في لبنان بتغطية من أولياء نعمته في طهران. يفترض في العرب، في حال كانوا جديين أن يقولوا في القمة أن اللعبة الأيرانية ndash; السورية لم تعد تنطلي على أحد وأن المبادرة العربية واضحة كل الوضوح وتبدأ بأنتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان. هل يقف العرب مع لبنان، أم يذهبون ألى دمشق للأعتراف بالتوازنات الأقليمية الجديدة التي يحاول الأيراني والسوري فرضها عليهم؟ هل يتذكرون أن صدّام حسين ما كان ليقدم على جريمة أحتلال الكويت لولا أنهم سايروه أكثر مما يجب بحجة المحافظة على التضامن العربي. الوقت ليس وقت أنصاف الحلول مع النظام السوري. الوقت وقت القول له أن ما يفعله النظام في لبنان ليس مقبولا وأن مسؤولية تعطيل أنتخاب رئيس جديد للجمهورية تقع عليه مباشرة.... وان عودته ألى لبنان ليست واردة. هل بين العرب من يتجرأ على قول هذا الكلام في دمشق كي يكون للقمة معنى بدل أن تكون قمة تكريس العجز العربي أمام المحور الأيراني- السوري بطابعه المذهبي المقيت! هذا ما هو على المحك عربيا. أما يقاوم العرب التوازنات الجديدة التي تحاول أيران فرضها عليهم وأما يرضخون لها. من يرضخ للأبتزاز السوري في لبنان يكون أستسلم للنظام الأيراني الذي بات يسيطر على جزء من العراق ويتحكم بما يجري في غزة ويقيم جزر أمنية خاصة به في لبنان! من يرضخ للأبتزاز السوري يصدّق تلك الكذبة الكبيرة بأن قمة دمشق ستكون قمة فلسطين. من يتاجر بفلسطين صار يريد قمة لها في دمشق لعلّ ذلك يغطي على ما يرتكبه في حق لبنان واللبنانيين. آن الأوان كي يكون هناك من يقول الحقيقة. اليوم، لبنان هو الضحية. من ستكون الضحية العربية الأخرى غدا. هذا السؤال لن يعود مفر من طرحه في حال عدم وضع حد لتلك المسرحية المكلفة القائمة على فكرة أن الأنتصار على لبنان بديل من الأنتصار على أسرائيل!