قبل أن نوغل في صلب الموضوع تُرى ما هو الامن القومي العراقي؟
إجمالا يمكن القول، بأن الامن القومي العراقي هو قدرة العراق النسبية على مواجهة المخاطر التي تهدد قيمه الجوهرية، مثل السيادة والاقتصاد والسلام الاجتماعي والثروات القومية... هذه هي اخصر عبارة يمكن أن نعرف بها الامن القومي العراقي، وهو تعريف ينطبق على ا لكثير من الدول، ذلك أن الامن القومي كمفهوم ومساحة يتسع ويضيق من دولة إلى أخرى، ولكن هناك جوهر عام، قد لا يبتعد كثيرا عما ذكرته أنفا وأنا أعرف أو أشخص مفهوم الامن القومي العراقي.
لا أريد أن أتطرق إلى الا من القومي العراقي بشكل عام، فذلك له وقته، ولكن أ ريد أن أتحدث عن علاقة إيران بالامن القومي العراقي، وفي هذه الأيام، حيث يحتل الصراع الامريكي / الايراني جوهر المشكلة بالنسبة لما يعانيه العراق على صعيد أمنه القومي.
ترى ما هي علاقة الجمهورية الاسلامية بالامن القومي العراقي؟
بكل بساطة نستطيع أن نقول : أن ايران تشكل أحد معطيات تهديد الامن القومي العراقي بفعل صراعها المرير مع الولايات المتحدة الامريكية الذي وجد ساحته المثلى على الارض العراقية! فهذا الصراع ينعكس بشكل مباشر على وحدة الشعب العراقي، بخلق أ جندات لهذا الطرف وذاك، تقاتل نيابة عن هذين الطرفين، خاصة إذا ا خذنا في نظر الاعتبار ضعف الحكومة العراقية بنيويا وإداريا، وهشاشة ألأمن الحدودي العراقي بشكل عام. وليس من شك أن طول الحدود العراقية الايرانية تشكل معززا مهما لهذا الخطر، كما أن وجود مجاميع عراقية تؤمن بولاية الفقيه وكان لها علاقة عضوية بالجمهورية الاسلامية هو الاخر معزِّز يصب في هذا الاتجاه، كما أن ستراتيجية إيران قائمة على تجييش اكبر قدر ممكن من القوى العراقية ضد (المحتل) الامريكي، وذلك حتى القاعدة فيما أمكن!
ليس من شك أ ن إيران تطمح بنفوذ كبير في العراق، لان ذلك يحقق لها حضورا كبيرا في المنطقة، وهي تصرح علنا أنها جزء من الحل بالنسبة لما يجري في العراق، وهذا يوجب على (المحتل!) أن يتفاهم مع إيران على معالجة ا لمشكل العراقي، فإيران هنا تصنع لامريكا الشيطان، وتتبرع في تخليصها من شروره ولكن بشروطّ!
إن هذه المطعيات تؤكد أن إيران تهدد الا من القومي العراقي، تهدد سلامة أرضه، وسلامه الاهلي، ومديات أمنه واقتصاده.
هذا التهديد...
على الصعيد المكاني : قريب، وذلك غير خاف بطبيعة الحال، ففضلا عن كون ايران تحد العراق بحدود طويلة، فإن هذه الحدود مفتوحة ومنتهكة، والعراق لا يملك القوة الكافية لمواجهة المخاطر التي تهدد حدوده من المتسللين ومن تسريب السلاح وتهريبه.
على الصعيد الزمني : شبه دائم، لان المعركة الايرانية / الامريكية على أرض العراق ليس لها سقف زمني معروف، ولكن المعطيات القريبة لا تشجع على نهاية قريبة له.
على الصعيد الشدة والضعف : هو تهديد شديد، ساخن، خطر، لأنه يلامس كل مكونات الامن القومي العراقي، وحدة العراق، سلامه الاجتماعي، ثوراته الا قتصادية، بنيته التحتية...
على صعيد الآليات : متوفرة جدا، السلاح والمجاميع المسلحة والاستخبارات والفكر والاعلام، وبالتالي، هو تهديد خطرمخدوم إلى حد بعيد.
على صعيد النسبة : هو تهديد مباشر، ليس غير مباشر، ليس عبر دولة أخرى، ليس عبر مجاميع واجندات غريبة، بل إيران كلها تشكل منابع هذا التهديد، والاجندات ليس سوى أحدى مداخل الخطر، إيران كلها في العراق وليس جزءا منها، الجيش، السباه، الاقتصاد، رجال الاعمال، الفكر....
التهديد الإيراني للأمن القومي العراقي ليس له من يصده من ا لجيران، سواء كانت تركيا أو السعودية أو الاردن أ و الكويت، فيما هناك من يعضده من الانظمة المجاورة، وربما يتبادل معه الخبرات على إرباك الوجود الامريكي في العراق.
إن مشروع الفيدرالية، فيدرالية الجنوب والوسط الذي ترفعه بعض قوى الإسلام السياسي في العراق يصب في المصحلة الايرانية بشكل فاعل، وهو يحقق أكبر نصر لإيران في مد نفوذها رسميا في قلب العراق، ومن ثم في ترسيخ الوجود الايرانية نفسه في الخليج!
إن التهديد الامني الأيراني للعراق ماثل بكل صوره، وهو تهديد من الخارج بما تملك إيران من قوة عسكرية ضاربة، ومن الداخل بما تملك من أجندة من كل الطوائف والقوميات والاثنيات، تعمل تحت عبائتها، مقابل إغرائات مالية وسياسية سخية.
النقطة المهمة الاخرى هنا، إن تركيا غير معنية إلى حد ما أزاء تمدد ايران في جنوب ووسط العراق، فهي قد تقايضه بنفوذ في الشمال، كما أن السعودية سوف تقايضه بنفوذ كبير في الجنوب، فلها أيضا أجندتها واناسها وحدودها الطويلة المؤثرة!
الكويت هي الوحيدة التي سوف تتحمل مخاطر كل هذه المفارقات، وليس لها من حول ولا قوة، سوى الاعتماد على الولايات المتحدة الامريكية، وهذا بدوره يساهم في تعقيد الامن القومي العراقي ايضا!
مبدئيا : كان العراق موطن نزا ع وصراع ذوي النفوذ، الفرس والرومان، الصوفيون والعثمانيون، العثمانيون والاوربيون، وقد جلبت هذه الصراعات الويل وا لثبور لاهل العراق، وما أشبه الليلة بالبارحة، فهل ينجو العراق من هذه النار المحرقة كما نجى قبل؟
إن ألأمن القومي العراقي لا يعتمد على جغرافيته، ولا على خيراته الطبيعية، ولا على قواته العسكرية، بل يعتمد بالدرجة الاولى على تجانس شعبه،بكل قومياته ومذاهبه وأديانه، وبغير ذلك سيكون طعمة سائغة للاخرين بكل سهولة.
الحكومة العراقية اليوم هي بحاجة إلى من يحمي أمنها من خارج حدودها، فكيف بها تحمي أمن العراق القومي؟ ولكن فيما قرر العراقيون أن العراق فوق كل شي، سوف تبرز إمكانية حماية الامن القومي العراقي حقيقة لا غبار عليها.