يتغنى إلى حد الشبق الروحي الصارخ شهيد العلم والجغرافية الاستراتيجية الدكتور جمال حمدان ببلده مصر، كنانة العرب، وعروس الدنيا،، مخلّدا أياها بسفره العظيم (شخصية مصر، قراء ة في عبقرية المكان)، في عشرة ألاف صفحة رقمية رصينة متفوقة باللغة وا لعرض و الفكر، وليس من شك أن مصر التي وصفها كثير من رواد الجغرافية من أنها هبة النيل أو هي هبة الإنسان المصري ذاته على حد تعبير (أندريه جيد) باعتبار أن مصر اكتشفت الا بدية كما يرى... لا شك أن مصر بجغرافيتها تحولت إلى نقطة تواصل افريقي أسيوي عربي نيلي متواصل التأثير والاثر، ولكن ليس ذلك بدعا في الجغرافية السياسية من حيث المبدا، أي من حيث أهمية الموقع وعبقريته وسره، فإذا كانت مصر تتمتع بعبقرية المكان، فإن دراسة التاريخ العراقي تؤكد أن (عراقنا) هو أرض العبقرية!
لم يكن العراق بحق وحقيقة بوابة العرب إلشرقية وحسب بل كان نقطة إنطلاق الفتح الإسلامي برمّـته حتى باتجاه الغرب، ولم تكن بغداد عاصمة مؤقتة بل بقيت مركز الخلافة رغم التشظيات والتبعثر حيث كانت الخلافة تعاني من فقر روحي وشعبي وفكري وسياسي، ولم تكن أرض العراق تتمركز في نقطة متألقة بل كان العراق كله متألق، وإلاّ كيف تتصارع وتتنافس ثلاث حواضر في وقت واحد، الكوفة و بغداد والبصرة، لتنتشر في ربوعه مختلف المدارس الفكرية، عقل ونقل، راي وحديث، ومن هنا ليس غريبا أن يعرّف العرب العراقي بـ (أخ العرب من أهل الرأي)، ولم يكن ذلك غريبا عندما تصب مدرسة الأثر جا م غضبها وخوفها من أهل العراق!!، ولم يكن المغول أبناء حضارة ولكنهم خرجوا منه أصحاب امبراطورية عظمى، وكأنهم يحققون مجد الاسكندر المقدوني الذي عجز عن تطويع الارادة العراقية باعترافه لارسطو المسكين.
جغرافية تصنع العبقرية، نهراها وسهولها وجبالها وصحرائها ليست بالطاردة بل كانت وسوف تعود مؤل الهاربين من الطبيعة والسياسة، وكأن علي عليه السلام عارفا بهذه الجغرافية الفذة فكان يقول: العراق أرض الرجال والمال، فشد اليها الرحال ومن هناك خاض أضخم تجربة سياسية لم تدرس لحد الان حق الدراسة.
غرين النيل وأخلاصه وقت فياضانه يقابله غضب الفرات وهيجانه ومجهولية إنزياحاته المائية الهادرة، ولكن رغم ذلك استطاع الفلاح العراقي أن يقهر الفرات، حتى تحولا إلى صديقين وفي الوقت ذاته عدوين، فيما تكتسح الثلوج جبال كردستان لتشكل مدرسة تحدي أخرى لفلاح الشمال، ولا تلي الصحراء من جهة الغرب تسف بريحها الهائجة تنسف الامال، وفي خضم هذه التجربة الجغرافية القاسية ينبعث كلكامش يبحث عن الخلود، فيلقى ذلك العراقي الذي يهون عليه غروره، فكان (أنكيدو) يغني له إ نشودة الحياة الجديدة، مستلا من حنان تلك البغي التي ربّته على قيم العراق الخالدة التي تجمع بين القوة والمرونة في التعامل مع الاشياء مهما كانت جليلة أو صغيرة.
رحم الله علي الوردي، فما أنصف التاريخ في العراق عندما لخّصه بحرب ضروس بين البداوة والحضارة حيثي ينهي النتيجة بغلة الأولى على الثانية بشكل نهائي!، وكأنه لم يكن خريج أرض الرافدين، وكأنه لا يتحسس قوانين حمورابي، وكأن نسي أن جغفرافية محصورة بين الجبال والصحراء وتتوسطها سهول وغرين تكون مطمع الغزاة والقواد وأصحاب الاحلام الإمبراطورية، وجغرافية تطل بنا من الشمال على أوربا ومن الشرق على عمق أسيا، ومن الجنوب على بحار العالم، ومن الشرق تتواصل مع بحر الابيض المتوسط في وسط عقد جغرافي متين يدعي الكثيرون انه يشكل وحدة ثقافية قائمة بنفسها، فكان وسط عقد جغرافية متلونة الاطراف، متعددة الثقافات، متنوعة الأعراق... مثل هذه الجغرافية هي حقا جغرافية تحتضن العبقرية وقبل ذلك تصنعها.
الأمن القومي العراقي ــ وأنا اتحدث عن عراق الدولة العصرية ــ تحيط به مخاوف الاختراق والاجتياح والابتلاع، إذ تحوطه تركيا وإيران والسعودية، وكل دولة من هذه الدول إذا تمكنت من مساحة عراقية متصلة بها ستغدو فيه قوة قاهرة ومتحكمة، وتنبعث من داخله مخاطر التشتت والاحتراب والتشضي، فالتعددية الهائلة رغم كونها مصدر خير عميق في الأصل، ولكنها قد تتحول إلى مسمار في نعش الامن القومي، وليس من شك أ ن هذا اللاتجانس التاريخي في الحقوق والواجبات الذي أستنته داخل العراق حكومات القوة ا لغاشمة، من أموية إلى عباسية إلى عثمانية، ولد تاريخا مشحونا بالعتاب على أقل تقدير بين المكونات الرئيسية لشعب الرافدين... ومن هذا وذاك ينبع خطر عميق يهدد الأمن القومي العراقي بشكل مباشر! ولكن رغم ذلك هناك اصرار عراقي أن يكون العراق لأهله، ويكفي مثل هذا الشعور ليكون دافعا وطنيا خلاّقا للتغلب على كل هذه المهلكات الأمنية القومية. ولكن أعترف وبمرار ة إن ذلك يحتاج إلى حكومة قوية شجاعة، تتمتع بالذكاء والتجربة والحنكة، وقبل ذلك تجعل من العراق همها الاول والأخير.
تجتذب جغرافيتنا من كل لون روحه الفتية، عرب وفرس وأتراك، مسلمون ومسيحيون وصابئة وكلدان، سنة وشيعة، كل يمتلك عمقه التاريخي المتجذر، ليس طارئا ولا عارضا، له شرف الاولية في التأسيس والبناء والتشييد، فكانت حقا جغرافية تلخص التاريخ الحضاري لعالم الشرق، معلنة ثورتها على بؤس التجانس العرقي والحضاري والروحي والفكري، فالتجانس يظل حبيس نفسه، فيما التعدد يخلق العالم المتنوع.
أرض العبقرية...
هذا هو عنوان الجغرافية العراقية في تصوري، ما ء وفيرواعتدال مناخ وتجارب حضارية عريقة وارض خصيبة وتراث فكري سجالي واجتذاب من الخارج وعودة الى الداخل ردا على الهجرة الجبرية وكثافة سكانية وتنوع عرقي واثني وديني ولغوي وحدود تتاخم حضارة كبرى، ومدخل للحفاظ على هويات، فخليجية الامارات مستمدة من عراق قوي وليس مستمدة من غنى مادي دشن حظه من التاريخ متأخرا!
وكنت أقول: مصر قلب الامة العربية، وسوريا رئتها، ولكن العراق عقلها القوي، فليس صدفة أن يسشتهد محمد باقر الصدر في كتابه الكبير (الاسس المنطقية للاستقراء) بمثل توضيحي بذكاء اهل العراق (خالد عراقي، والعراقيون أ ذكياء، فخالد ذكي)، وأقول ذلك، لان محمد باقر الصدر ذكي...
رحمه الله...
لم يكن العراق بحق وحقيقة بوابة العرب إلشرقية وحسب بل كان نقطة إنطلاق الفتح الإسلامي برمّـته حتى باتجاه الغرب، ولم تكن بغداد عاصمة مؤقتة بل بقيت مركز الخلافة رغم التشظيات والتبعثر حيث كانت الخلافة تعاني من فقر روحي وشعبي وفكري وسياسي، ولم تكن أرض العراق تتمركز في نقطة متألقة بل كان العراق كله متألق، وإلاّ كيف تتصارع وتتنافس ثلاث حواضر في وقت واحد، الكوفة و بغداد والبصرة، لتنتشر في ربوعه مختلف المدارس الفكرية، عقل ونقل، راي وحديث، ومن هنا ليس غريبا أن يعرّف العرب العراقي بـ (أخ العرب من أهل الرأي)، ولم يكن ذلك غريبا عندما تصب مدرسة الأثر جا م غضبها وخوفها من أهل العراق!!، ولم يكن المغول أبناء حضارة ولكنهم خرجوا منه أصحاب امبراطورية عظمى، وكأنهم يحققون مجد الاسكندر المقدوني الذي عجز عن تطويع الارادة العراقية باعترافه لارسطو المسكين.
جغرافية تصنع العبقرية، نهراها وسهولها وجبالها وصحرائها ليست بالطاردة بل كانت وسوف تعود مؤل الهاربين من الطبيعة والسياسة، وكأن علي عليه السلام عارفا بهذه الجغرافية الفذة فكان يقول: العراق أرض الرجال والمال، فشد اليها الرحال ومن هناك خاض أضخم تجربة سياسية لم تدرس لحد الان حق الدراسة.
غرين النيل وأخلاصه وقت فياضانه يقابله غضب الفرات وهيجانه ومجهولية إنزياحاته المائية الهادرة، ولكن رغم ذلك استطاع الفلاح العراقي أن يقهر الفرات، حتى تحولا إلى صديقين وفي الوقت ذاته عدوين، فيما تكتسح الثلوج جبال كردستان لتشكل مدرسة تحدي أخرى لفلاح الشمال، ولا تلي الصحراء من جهة الغرب تسف بريحها الهائجة تنسف الامال، وفي خضم هذه التجربة الجغرافية القاسية ينبعث كلكامش يبحث عن الخلود، فيلقى ذلك العراقي الذي يهون عليه غروره، فكان (أنكيدو) يغني له إ نشودة الحياة الجديدة، مستلا من حنان تلك البغي التي ربّته على قيم العراق الخالدة التي تجمع بين القوة والمرونة في التعامل مع الاشياء مهما كانت جليلة أو صغيرة.
رحم الله علي الوردي، فما أنصف التاريخ في العراق عندما لخّصه بحرب ضروس بين البداوة والحضارة حيثي ينهي النتيجة بغلة الأولى على الثانية بشكل نهائي!، وكأنه لم يكن خريج أرض الرافدين، وكأنه لا يتحسس قوانين حمورابي، وكأن نسي أن جغفرافية محصورة بين الجبال والصحراء وتتوسطها سهول وغرين تكون مطمع الغزاة والقواد وأصحاب الاحلام الإمبراطورية، وجغرافية تطل بنا من الشمال على أوربا ومن الشرق على عمق أسيا، ومن الجنوب على بحار العالم، ومن الشرق تتواصل مع بحر الابيض المتوسط في وسط عقد جغرافي متين يدعي الكثيرون انه يشكل وحدة ثقافية قائمة بنفسها، فكان وسط عقد جغرافية متلونة الاطراف، متعددة الثقافات، متنوعة الأعراق... مثل هذه الجغرافية هي حقا جغرافية تحتضن العبقرية وقبل ذلك تصنعها.
الأمن القومي العراقي ــ وأنا اتحدث عن عراق الدولة العصرية ــ تحيط به مخاوف الاختراق والاجتياح والابتلاع، إذ تحوطه تركيا وإيران والسعودية، وكل دولة من هذه الدول إذا تمكنت من مساحة عراقية متصلة بها ستغدو فيه قوة قاهرة ومتحكمة، وتنبعث من داخله مخاطر التشتت والاحتراب والتشضي، فالتعددية الهائلة رغم كونها مصدر خير عميق في الأصل، ولكنها قد تتحول إلى مسمار في نعش الامن القومي، وليس من شك أ ن هذا اللاتجانس التاريخي في الحقوق والواجبات الذي أستنته داخل العراق حكومات القوة ا لغاشمة، من أموية إلى عباسية إلى عثمانية، ولد تاريخا مشحونا بالعتاب على أقل تقدير بين المكونات الرئيسية لشعب الرافدين... ومن هذا وذاك ينبع خطر عميق يهدد الأمن القومي العراقي بشكل مباشر! ولكن رغم ذلك هناك اصرار عراقي أن يكون العراق لأهله، ويكفي مثل هذا الشعور ليكون دافعا وطنيا خلاّقا للتغلب على كل هذه المهلكات الأمنية القومية. ولكن أعترف وبمرار ة إن ذلك يحتاج إلى حكومة قوية شجاعة، تتمتع بالذكاء والتجربة والحنكة، وقبل ذلك تجعل من العراق همها الاول والأخير.
تجتذب جغرافيتنا من كل لون روحه الفتية، عرب وفرس وأتراك، مسلمون ومسيحيون وصابئة وكلدان، سنة وشيعة، كل يمتلك عمقه التاريخي المتجذر، ليس طارئا ولا عارضا، له شرف الاولية في التأسيس والبناء والتشييد، فكانت حقا جغرافية تلخص التاريخ الحضاري لعالم الشرق، معلنة ثورتها على بؤس التجانس العرقي والحضاري والروحي والفكري، فالتجانس يظل حبيس نفسه، فيما التعدد يخلق العالم المتنوع.
أرض العبقرية...
هذا هو عنوان الجغرافية العراقية في تصوري، ما ء وفيرواعتدال مناخ وتجارب حضارية عريقة وارض خصيبة وتراث فكري سجالي واجتذاب من الخارج وعودة الى الداخل ردا على الهجرة الجبرية وكثافة سكانية وتنوع عرقي واثني وديني ولغوي وحدود تتاخم حضارة كبرى، ومدخل للحفاظ على هويات، فخليجية الامارات مستمدة من عراق قوي وليس مستمدة من غنى مادي دشن حظه من التاريخ متأخرا!
وكنت أقول: مصر قلب الامة العربية، وسوريا رئتها، ولكن العراق عقلها القوي، فليس صدفة أن يسشتهد محمد باقر الصدر في كتابه الكبير (الاسس المنطقية للاستقراء) بمثل توضيحي بذكاء اهل العراق (خالد عراقي، والعراقيون أ ذكياء، فخالد ذكي)، وأقول ذلك، لان محمد باقر الصدر ذكي...
رحمه الله...
التعليقات