يمكن لكردستان العراق أن تلعب دورا حيويا ومؤثرا ليس في داخل العراق وحسب، بل في المنطقة بشكل عام، وذلك بسبب مجموعة أو منظومة حية من الحقائق الجغرافية والتجربية والتاريخية التي تتمتع بها كردستان العراق، أتحدث عن ذلك بصرف النظر عن حدود كردستان وطبيعة الاختلافات حول مصير كركوك وأمور أخرى، لاتمت بصلة جوهرية فيما أريد بيانه في هذه المقالة العاجلة التي يمكن أن أتبعها بأخرى إن شاء الله تعالى.
إن تجربة كردستان العراق النضالية على طريق تحقيق الاهداف الجوهرية للشعب الكردي في هذه المنطقة يمكنها أن تتحول إلى درس تجريبي لكل أكراد العالم، حيث يتعرضون للقهر السياسي والثقافي والأقتصادي والاجتماعي، وبطبيعة الحال أضع في البداية هنا، الحكمة العقلية لقادة الكفاح الكردي العراقي وقدرة العقل الكردستاني العراقي على إستيعاب فن اللعبة السياسية ومعطيات الواقع العالمي والاقليمي، ولست في صدد حمل السلاح بداية وجوهرا. وليس من شك أن نجاح كردستان العراق في تحقيق الكثيرمن الطموحات الكردية العراقية يؤهلها لأن تكون عامل ترشيد للحركة الكردية العالمية، وذلك على الصعيد السياسي والنضالي من أجل حقوقهم، كما إن هذا النجا ح يؤهل كردستان العراق وبالتعاون مع حكومة المركز أن تتحول إلى بوصلة تفاهم بين الاكراد وأنظمتهم الحكومية، حيث تتفاقم المشاكل بين الطرفين وتتصاعد باستمرار، خاصة بعد هذه الانجازات الكبيرة التي حققها أكراد العراق.
كردستان العراق وبالتعاون بطبيعة الحال مع بغداد يمكن أن تتحول إلى عنصر إستقرار مهم في المنطقة الاقليمية (تركيا /إيران / سوريا / العراق)، ليس من خلال تقديم خبرتها النضالية على طريق تحقيق بعض الاهداف الجوهرية فحسب، بل من خلال وزنها الذي سوف يتكرس أكثر في المستقبل القريب على صعيد الكيانية السياسية والثقافية والحضارية ضمن الوطن الام، أي العراق.
إن تحرك كردستان العراق اليوم على هذا الطريق ممكن جدا، فهي لم تعد منطقة حرب، ولها وزنها المهم في صلب اللعبة السياسية الاقليمية، وتمر بمرحلة نمو إقتصادي وسياسي وثقافي يشكل منعطف طريق في تاريخ الاكراد في المنطقة.
يملك أكراد العراق صلاة وعلاقات عميقة بالدول الكبرى، ولهم كلمتهم القوية في أوساط صناع القرار السياسي في العالم العربي، لأنهم جزء من العراق المنتمي إلى العالم العربي، وهي خصيصة فعالة يمكن أن تزيد من ممكنات دور كردستاني نشط على صعيد التفاهم بين بقية أكراد العالم وبين أنظمتهم السياسية،
وليس من شك إن الدور الإيجابي الذي يمكن أن تضطلع به كردستان العراق بالتنسيق مع الحكومة المركزية ينعكس بفوائد كبيرة على الدولة العراقية برمتها، فهو يعزز من دور العراق في العالم الاسلامي خاصة والعالم بشكل عام.
كردستان العراق ليست تجربة نضال وحسب، بل تجربة حكم، وتنمية، وعلاقات دبلوماسية عميقة ومؤثرة، وبذلك يمكن أن تتحول حقا إلى مثل كردي لكل أكراد العالم، وكل ذلك يجعلها أهلا لان تؤدي دورا قياديا في المنطقة من هذه الزاوية، أي زاوية المشكلة الكردية في العالم العربي والأسلامي.

كردستان العراق مهيأة لأن تكون رقما مؤسسا في المنطقة، وليس سرا فيما إذا قلنا إن أكراد العراق كانوا محل أهتمام عالمي، على صعيد مشكلاتهم مع الحكومة المركزية ومحل رعاية دولية مستمرة ومؤثرة أكثر من أكراد إيران أو سوريا أو تركيا، ولا أريد هنا أن استجلي أسباب هذا الإستثناء ولكن بودي أن أستثمره لما قررته في هذه المقالة، أي إن كردستان العراق باستطاعتها أن تتحول إلى نقطة إرتكاز لأمن قومي إقليمي حيوي، يحقق للمنطقة السلام والنمو والأزدهار، فإن هذا المستوى للحضور الكردستاني العراقي في المعادلة الدولية يعطيها زخما قويا ونشطا لإداء الدور القيادي والراشد،خاصة على صعيد معالجة المشكل الكردي، هذا المشكل الذي سيبقى عائقا دون إستقرار المنطقة بشكل وآخر، كما إنه يحول دون نهضة تنموية فكرية روحية عميقة، فيما لم تتقدم الانظمة المعنية بمعالجته بدقة وموضوعية.
إن كردستان العراق ليست نقطة توازن داخل العراق وحسب، بل يمكن أن تصبح نقطة توازن بين بقية الأكراد وأنظمتهم، ليس بالاستفادة من التجربة النضالية وحسب، بل بالاستفادة من الحكمة الكردستانية العراقية، ومن فن التعاطي الدقيق الذي أبدته الحركة الكردية مع إفرازات الواقع ورسمه الصارم، كذلك من أستقرارها ودخولها رقما مؤسسا في تصميم مستقبل العراق والعراقيين.
إن كلامي هذا لا يلغي مبدا حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الكردي وكل شعوب العالم، ولكن أتحدث من منطلق الواقع، ومن خلال معطيات الزمن الذي نعيشه، والسياسة فن الممكن كما يقولون، وكل هذا لا يمنع من الحلم، بل ولا يمنع من العمل الجاد في سبيل تحقيق الحلم.