صوّت مجلس لنواب اللبناني تحت تهديد العصا الغليظة السورية وبريق الذهب الإيراني الذي نثر في ساحة النجمة في بيروت حيث مجلس النواب اللبناني بلا حساب، وعبأ جيوب النواب الـ 96 الذين صوتوا لتعديل المادة 49 من الدستور اللبناني للتمديد لمدة ثلاث سنوات للوالي السوري في لبنان. ويقال أن ايران وعدت بمزيد من العطايا والهدايا للنواب الذين بصموا على قرار التمديد والتعديل. وإلا فما هي مصلحة النواب في اغضاب ناخبيهم واغضاب كاردينال العرب الحر وبطريركهم الأكبر نصر الله صفير، وخيانة ضمائرهم على هذا النحو وهم لولا العصا السورية الغليظة والذهب الإيراني البراق فلا مصلحة لهم على الإطلاق في هذا الغضب الذي ساد لبنان كله وساد الشارع العربي وأغضب العالم كله متمثلاً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي يصدر لأول مرة في تاريخ مجلس الأمن وينص على عدم العبث بالدستور اللبناني وباجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار رئيس جمهورية جديد في المحافظة اللبنانية التابعة للباب العالي السوري.
***
لماذا رضخ مجلس الوزراء اللبناني ومجلس النواب لفرمان الباب العالي السوري بالتمديد والتعديل؟
فهل أصبحت سوريا قوة عظمى في العالم العربي أو امبراطورية لا تغيب عنها الشمس؟!
لقد استمعت مرات كثيرة إلى بشار الأسد في مناسبات مختلفة، فخلته وهو يتحدث بكبرياء وتعال وثقة وتحدٍ لأمريكا بأنه رئيس إمبراطورية عظمى كالاتحاد السوفياتي المنهار، وتمثلت أمامي خروشوف وبرجينيف وغورباتشوف وبقية الشلة السابقة من الحكام المسكوبيين.
واستمعت مرات عديدة إلى وزير خارجيته فاروق الشرع فخلته وزير خارجية الاتحاد السوفياتي ايام عزّه ورزّه. وأن الرجل يتحدث بكل كبرياء وعظمه وكأنه قوة عظمى تستند إلى قوة عسكرية ضخمة، مثيلة لقوة الامبراطورية السوفياتية المنهارة، وتقف متحدية للقوة العظمى الأمريكية؟
فمن أين يستمد الحكم السوري البعثي قوته هذه؟
وكيف استطاع هذا الحكم أن يخيف ويرعب اللبنانيين على هذا النحو، وهم الشجعان الأقوياء، محاربو الجبال، وشاربو حليب السباع؟
أين ضراوة هذا الشعب وقسوته وجبروته الذي أبداه في الحرب الأهلية التي امتدت خمسة عشر عاماً؟
أين قبضايات لبنان الذين دوخوا الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي ودحروهما؟
هل أصبح لبنان عبارة عن كتلة من السياسيين التجار الذين يعملون بالسياسة للوصول إلى المال الذي يحبه اللبنانيون حباً جماً؟
فهل تحول اللبنانيون من أسود الجبال إلى أرانب الأموال؟
***
من أين يستمد الحكم السوري قوته ؟
وكيف يستأسد الحكم السوري منذ ثلاثين سنة تقريباً على اللبنانيين الضعفاء وهو المتأرنب على الإسرائيليين الذين يضربوه من وقت لآخر، ويمرغوا أنفه بالتراب، ولا يصدُّ ولا يرد، وينتظر اليوم الموعود، ليرسل الرعود، حسب كلام "مترنيخ سوريا" فاروق الشرع؟
إن الحكم السوري البعثي لا يملك في جعبته من أسلحة الردع والدمار الشامل غير القسوة والوحشية والاستبداد والتنكيل بالمعارضة كما لم يُنكّل بها في أي مكان آخر في العالم العربي. فما شهدته سوريا من طغيان واستبداد طوال أكثر من ثلاثين سنة من حكم البعث لسوريا لم يشهده أي قطر عربي آخر. وما تم في سجن تدمر يفوق ما تخيله المتخليون في سجن الباستيل الفرنسي.
القمع والتعذيب والقتل هو سلاح الحكم السوري الفتاك.
والتنكيل والاغتيالات والقتل الجماعي هو سلاح النظام السوري الذي أشهره في حوادث حماة في 1982 وقبلها وبعدها.
والحكم السوري البعثي يحكم سوريا بالسلاح نفسه الذي يحكم به لبنان الطائر الجريح، والأخضر.
الجبروت الاستعبادي هو سلاح الدمار الشامل الذي تخيف به سوريا الأسدية خصومها ومعارضها.
ما أسوأ وما أبسط الحصول واستعمال هذا السلاح.
لك أن تتجرد من كل قيمك الإنسانية ومن كل أخلاقياتك الدينية، لتمتلك هذا السلاح.
الحصول على الجلادين لهذا السلاح أسهل بكثير من الحصول على المفكرين.
لذا، فلا مفكرين في دولة الحكم السورية، ولو كان هناك مفكرون لما حصل في لبنان ما حصل الآن.
***
ما العمل الآن؟
ما العمل بعد أن نفذ فرمان الباب العالي السوري بالتمديد والتعديل وبلع الشعب اللبناني الخازوق السوري البعثي بفعل العصا السورية الغليظة والذهب الإيراني البرّاق؟
لا يملك الشعب اللبناني إن كان شعباً حراً غير العصيان المدني. أو العصيان المسلح إن كان يقدر عليه، بعد أن خدعه نوابه وزعماؤه، وقبضوا المال وتركوه في أسوأ حال.
لا يملك الشعب اللبناني إلا الثورة في وجه المحتل السوري وطرده من بلاده كأي احتلال آخر. فلا يوجد في القاموس السياسي "احتلال أخوي" أو "احتلال الأشقاء للأشقاء" أو "احتلال المسار الواحد والمصير الواحد" فكلها شعارات بعثية فارغة تُدمّر ولا تُعمّر. فلقد تبين أن "الاحتلال الأخوي" أو "احتلال الأشقاء" أكثر ضراوة من الاحتلال الأجنبي، ولكم أن تقارنوا بين ما حصل في العراق وما يحصل في لبنان الآن.
فيا أيها اللبنانون: ماذا انتم فاعلون الآن؟!
* كاتب لبناني مقيم في امريكا.
التعليقات