اطلعني صديق على اخر مستجدات التحضير للانتخابات العراقية، فهالني عدد القوائم الانتخابية التي تجاوزت المئة بكثير، وكان عدد المرشحين في كل قائمة بالمئات من 200 – 275 مرشحاً، اذا ما استثنينا بعض القوائم التي تواضعت، ولم تكسر خط المئتين – وطبعاً هنا لا اقصد سباق المئتي متر ركضا بالتاكيد. وقلت لصديقي من باب المزاح : " ان اللجنة العليا للانتخابات قد وقعت في ورطة، فهذا العدد الكبير من المرشحين كم يحتاج من الوقت للتدقيق في تاريخهم السياسي وموقعهم الاجتماعي، خصوصاً انني اخذت عيـّنة على طريقة الاحصائيين، فوجدت اسماء غريبة لم اكن اعرف بانتمائها للجهة صاحبة القائمة، انا القريب عليها، فكيف بالبعيد ، كان الله في عونه.واذا اضفت الى كل قائمة عدد الراغبين في الترشيح و الطامعين و" المستقتلين " من اجل الترشيح، لاصبحت المهمة مستحيلة.. " وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي انزلق الى حلقة المهمومين بالانتخابات، ابعدكم الله عنهم!
احدهم، في جلسة صداقية جمعتنا واخرين، أفتى بدور الصحافة المستقلة في فضح العملاء والانتهازيين، مثلما حصل في المرحلة الأولى من التغيير في العراق، لكن أخر استدرك : ان وجود صحافة حرة مستقلة ليس ضروريا، ومن الصعب تأمينه الان في هذه الشدة، فـ " الصحافة الحزبية المستقلة " تستطيع القيام بالواجب.
و " الصحافة الحزبية المستقلة " ربما اصطلاح جديد وغير منطقي، لكنه يشمل العشرات من الصحف " المستقلة " التي لا تريد الكشف عن ميولها.. لكن ( البيها ما يخليها ) فحالما يشتد الوطيس، تنتفض وتشمر عن سواعدها وتدلوا بدلوها، فتكشف " الحقائق " التي تراها مناسبة وتعنيها اكثر من غيرها، ولا نحتاج الى الكثير من الذكاء لنستنتج انه لو فعلت كل هذه الصحف " المستقلة " هكذا، لكانت لدينا صورة عامة عما يجري..
إحدى الصحف، بادرت وكشفت عن بضعة أسماء ولمرشحين للقائمة الكردستانية الموحدة، تقول : انهم كانوا مرتزقة للنظام السابق، بمستوى " أمراء افواج " او رفاق بعثيين، كان لهم باع وسلطة، مما جعلني أتفائل بعض الوقت. لكنني توقفت عند هذا الأمر، وفكرت كثيرا، وان بين الشك واليقين: انها طريقة غير مضمونة النتائج، بل غير مضمونة الحدوث، فربما أحجمت بعض هذه الصحف " المستقلة " عن ذلك ، او عقدت اتفاقات من قبيل : " شيلني واشيلك " او ما يطلق عليه أحيانا مصطلح " التوافق "، خصوصا وان العد التنازلي للانتخابات قد بدا.
أحد الجالسين قال لي : " لماذا أنت مهموم هكذا، فالملفات القديمة التي تخص المشتركين والمتعاونين والعملاء موجودة في الحفظ والصون لدى الأخوان المحرّرين، طبعا لا اقصد محرّري الصحف، فهم أخر من يعلم " فقلت في نفسي : " صحيح ولكن.. وربما.. " ثم سكتُّ رغم اني قد حاربت هذا الإحساس اللعين الذي يوقفني عن الاسترسال مثل فرامل السيارة او " الهاند بريك ".. وقلت مشجعا نفسي : " ربما سيبقى الأمر في دائرة مغلقة، ويحرم العراقيون من ان يفرحوا بمعرفته، بما جبلوا عليه من عشق للخفايا التي طوقتهم من زمن بعيد، فقد أصيب أحدهم بالإسهال، وهو يستمع الى قرار السيد بريمر باجتثاث البعث، ولكن سرعان ما تعافى، طاردا كل خيالات كشف المستور "
وفي خضم البحث عن وسيلة قدحت في ذهني المكدود ومضة، وقلت صائحا : " وجدتها، لا داعي للتعب والبحث والتنقيب، فالإرهابيون قد وجدوا الحل، فهم حتما سيسعون لاصطياد – واعتذر عن المصطلح – الوجوه الواعدة، ممن تطالهم اليد، وبذلك ندرك ان من كان آمنا على نفسه، هو من يجب ان يفضح ويطرد ".. ضحك أحدهم وهو يقول مكملا :" وعندها سنعد قائمة من أسماء المرشحين، الموتى لخوض الانتخابات الجديدة!"
التعليقات