ماذا نقول لأمهاتنا و زوجاتنا و بناتنا في صبيحة الثامن من آذار.. أنبارك لهن عيدا لا يحتفلون به الا على الورق، أم نبارك لهن منجزات عشرين قرنا من الظلم و القمع و الاستغلال و الانتهاك. ماذا نقول لهم في القرن الحادي و العشرين و الدنيا حولهن تزداد اتشاحا بالسواد، و تبشر بعودة عهد الجواري و القيان.. ماذا نقول لهن في مجتمع لا يزال يفلسف ما يجب ان يظهر من الاصبع، و كم من خصلات الشعر، و ما معنى "جيوبهن"، و ما زال يعتبرهن "نصفا"، فشهادته نصف، و ميراثهن نصف، بل ما زال يعتبرهن مفسدة للصلاة كما الكلب أو الحمار، و بقرات للانجاب، و ولائم على سرير السيد الذكر، الذي يأتي من محيطه مقموعا من رأسه الى أخمص قدميه فينتقم من زوجته أو اخته أو ابنته ممارسا فحولته الضائعة بعد ان يتهاتر في الحريات و الانتخابات و الاحتلالات و الدكتاتوريات طوال النهار..

ما اعبث احتفالات يوم المرأة في أوطان لا تزال تذبحها كما خروف العيد السعيد، لمجرد شبهة، أو لنظرة، أو لابتسامة، أو ربما لحلم يجول في خاطرها.. أوطان تتحدث عن الديموقراطية حتى الثمالة، و نكتب عن الحرية حتى تجف اقلامها، و لكنها، و خلف ابواب التخلف المغلقة دوما ببركة ادعية الاولياء و السادة، تعبئ النساء في جلابيب سوداء، فهن كلهن عورة، وجوههن عورة،و ايديهن عورة، و اصواتهن عورة ..

وعندما يأتي السادة المانحون الاجانب بأموالهم، نظهرهن في الاحتفالات لنستجدي بهن، فها هي الطبيبة و المهندسة و الاستاذة و الكاتبة، و بعد انتهاء طقوس الاستجداء، نعيدهن الى حظائر الفحولة الشرقية العتيقة.. و بل و قد نخرجهن احيانا بالالاف كالخراف في تظاهرات متشحة بالسواد، ليظهرن غضبهن على فرنسا التي منعت الحجاب، أو اسبانيا التي اعتقلت تيسير علوني، أو أمريكا التي اعتقلت صدام حسين..

ولنزيدهن اذلالا، نظهرهن على شاشات التلفزيون ليتحدثن عن حقوقهن الاستثنائية التي منحها الدين و التقاليد، و عن عبودية المرأة الغربية و حريتها الكاذبة، بينما نبحث في بطون الكتب القديمة عن قوانين تزيدهن اذلالا، من احوال شخصية و حقوق مدنية و غير ذلك، و نحاول ارفاق كل فقرة بعبارة "بما لا يتعارض مع الشريعة"، لنمسك عليهن سيف "الحرام" البتار لنقطع رؤوسهن متى اردنا ذلك..

في العالم، و في المنطق، و بكل المعايير تدور عجلة التقدم الى الأمام مع عقارب الساعة، الا في عالمنا المبتلى، فانها تدور الى الوراء.. ففي حين يبحث العالم عن المزيد من الوسائل للانطلاق الى آفاق أوسع من الرفاه و الحرية، و تجيير العلم و الفكر لخدمة الانسان – و الأنسان هنا بالضرورة الرجل و المرأة معا، يبحث عالمنا عن كل ما يعيق هذا الانطلاق للسقوط في قعر الماضي المظلم، المريح، حيث لا مسؤولية، و لا تغيير، و لا جهد.. فكل شئ جاهز في ثوب ثقافتنا المتهرئ "القابل للتطبيق في كل زمان و كان"..

ماذا نقول لنسائنا في يومهن العالمي في مجتمع يعتبر قتل البنات رجولة، و الاغتصاب فحولة، و الجهل ورعا و تدينا، و الذبح جهادا، و قتل البراءة مكرمة، و دفنها شرفا.. بل و إن قتلهن غسلا للعار مبارك في القانون و العرف الاجتماعي.. ماذا نقول لهن و في بعض بقاع وطننا لا يسمح لهن بقيادة سيارة، أو بوضع رأي في صندوق انتخاب، أو بحتى رفع الصوت لأنه نجاسة و فتنة لمجتمعنا الذكوري التقي.. في بعض بقاع هذا العالم العربي، تقف المرأة و وجهها الى الجدار اذا مر "السادة الذكور" عرضا في شارع القرية، و في البعض الآخر تقف وحوش كاسرة بالعصي و السلاسل لا لمهاجمة المجرمين و قطاع الطرق، و إنما لمهاجمة خصلة شعر نفرت من تحت الحجاب عرضا. و في البعض الآخر حتى الحجاب "الشرعي" لا يرضي العقدة الجنسية التي تقود فلسفتنا المتهالكة، اذا لا يجب أن يظهر حتى سنتمتر مربع واحد، فقام بتفصيل نظرية الخيمة المتحركة، ليستريح من عناء قياس المسموح و الممنوع ظهوره.

ماذا بوسعنا أن نقول لهن في الثامن من آذار.. انهنئ، أم نعتذر لهن عن كذبنا، و خداعنا، و اجرامنا بحق أكثر من نصف مجتمعاتنا.