حوار أجرته خديجة العامودي: يعطي إدريس كسيكس رئيس تحرير أسبوعية (تيل كيل) المغربية الانطباع بأنه فنان ويمارس هوايته في التواضع بكثير من الاعتداد بالنفس. له وجه بملامح جدية ونادرا ما ترتسم عليه ابتسامة. يتكلم ببطء ويحذر كثيرا من مزالق اللسان وهفوات الآراء المتسرعة إلى حد يجعله لا يشبه كثيرا قلمه. توفقه كرئيس تحرير شاب لمجلة ناجحة لم يغير في طبعه الكثير وظل يتصرف بعفوية ممزوجة ببعض حلاوة النجاح. حصل إدريس كسيكس رئيس تحرير مجلة "تيل كيل"، التي تصدر كل أسبوع بالفرنسية، على شهادة عليا في الترجمة التحريرية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية في عام 1993. بعد ذلك عمل مسؤولا في القسم الثقافي في صحيفة "لبيراسيون" المغربية، ثم مديرا للاتصال في المدرسة العليا للتدبير وفي الوقت نفسه محررا في صحيفة "لاغازيت". وفي الأخير انتقل ادريس كسيكس الى مجلة "تيل كيل" التي صدرت عام 2001. لكن الجري وراء الخبر لم ينسه عشقه الكبير للمسرح إذ ألف مسرحيتين أنتجهما المركز الثقافي الفرنسي.

في هذا الحوار يشرح كسيكس بكثير من الحذر وضعية الصحافة في المغرب وحرب الإعلانات كما يتحدث عن تجربة "تيل كيل" وعن تهديدات وتوبيخات قال إنها لم تحصل.

ادريس كسيكس

هناك صحف كثيرة يجب أن تغسل يديك إن تصفحتها لأحد سببين، إما بسبب الحبر الذي يتركه الورق أو بسبب العفونة التي تنقلها الأفكار المكتوبة عليه، ألا يحصل هذا معك؟
أمتنع عن إبداء رأيي في زملائي الصحافيين.
هل تقرأ الصحف المغربية وما هي الصحيفة المفضلة لديك؟
أقرأ بعض الصحف المغربية لكن لا يمكن أن أتحدث عن صحيفة مفضلة، أقرأ جل ما يكتب لكن ليس لي تعاطف كبير مع صحيفة معينة.
كيف ترى وضعية الصحافة المغربية الآن وما هو برأيك سبب تراجع الصحافة الحزبية وظهور ما يسمى بالصحافة "المستقلة"؟
أعتقد أن تراجع الصحافة الحزبية مرتبط بتراجع الأحزاب نفسها، كما أن القارئ يبحث اليوم عن الخبر السياسي المرتبط بشكل خاص بما يجري في دواليب الدولة، والصحف الحزبية، نظرا للقيود التي تفرضها عليها الأحزاب الناطقة باسمها، لا تستطيع تلبية هذا الطلب. ثم إن الصحافة الحزبية تراجعت في العالم كله. نحن في زمن العولمة والقراء أصبحت لديهم مرجعية دولية وليس فقط محلية وبالتالي لا يمكن أن نعيش بمعزل عن هذا الواقع الدولي.
لكن أليس هناك ما يمكن أن يجذب القارئ غير ما هو مرتبط بدواليب الدولة؟ ولماذا تترك أغلب الصحف هموم المجتمع التي تهم القارئ أكثر وتنصرف إلى دغدغة ما هو مرتبط بمقدسات البلاد والانتقال من الملك إلى العنيكري (مدير جهاز الامن المغربي ) ثم إلى البصري(الرجل القوي في عهد الحسن الثاني) دون ملامسة عمقها بل تكتفي بالدوران حول هذه المواضيع الحساسة وكأنها تمارس احتيالا لكسب القراء؟
هذا صحيح، ومجلة "تيل كيل" نفسها تشتغل على الطابوهات الاجتماعية والثقافية بشكل خاص وتجعل منها عنصرا أساسيا في خطها التحريري. أنا لست متفقا مع من يقول إنه لا يمكن أن ننتج صحافة مثيرة وجذابة إلا بالحديث عن الملك أو العنيكيري أو إدريس البصري. يجب أن نملك الحس في معرفة ما يهم القارئ أكثر والمواضيع التي تهمه. مشكلة القارئ المغربي أنه لا يعرف نفسه ولا مجتمعه ولا تاريخه، ولا يعرف مراكز صنع القرار. هذه النقطة مهمة، لكن المواضيع الأخرى ربما تكون أكثر أهمية وتخص الاهتمام بكل ما له علاقة بالإبداع، بالتاريخ المعاصر والطابوهات الاجتماعية مثل الجنس، فالناس يعيشون الجنس لكن لا يجرؤون على الحديث عنه.
لكن بعض الصحف بدأت تستعمله كشكل من أشكال الإثارة لزيادة عدد مبيعاتها؟
أظن أن تناول موضوع كهذا لا يجب أن يكون بغرض الإثارة ولكن لأجل الفهم. لكن هذه الإثارة نفسها تخضع لمستويات في طرق التناول والمعالجة، وأرقى المستويات هو اللجوء إلى أهل العلم، وهم علماء الاجتماع وعلماء النفس الذين يعرفون أغوار الواقع الاجتماعي والنفسي للأشخاص. هؤلاء أنجزوا أعمالا مهمة جدا يمكن أن تساعدنا على تكوين نظرة موضوعية وراقية لمجموعة من الظواهر الاجتماعية التي لا نجرؤ على الخوض فيها، لكنها تبقى مع الأسف حبيسة الرفوف في الجامعات أو تستفيد منها التقارير الدولية.
كيف استطاعت مجلة "تيل كيل" أن تفرض نفسها في وقت قصير داخل سوق قراءة ضعيف ويعج بالإصدارات؟
الحقيقة أنه يصعب علي أن أتحدث عن هذا الموضوع أو أفسره. صحيح أننا الآن نعد من بين أهم الأسبوعيات ونحن ما زلنا لم نكمل عامنا الثالث، لكننا استطعنا أن نعثر على مكاننا الجيد والمناسب في سوق القراءة بالمغرب على الرغم من هزالته. المغرب كائن معقد على مستوى واقعه وسياسته ومجتمعه واقتصاده. ونحن كي نكون صريحين مع القارئ نحاول إبراز جوانبه المعقدة ونحاول أن نتفادى أن نكون تبسيطيين، كما أننا نكتب بلغة سلسة ومقروءة ونهتم كثيرا بالصورة.
ولكن كيف يمكن أن نقدم للقارئ واقعا معقدا بشكل مبسط ومفهوم؟
نحن لا نكتب كي نقدم للقراء الصورة التي نحلم بأن يصبح عليها المغرب، أو على الأصح، لا نتكلم عن أحلامنا ولكن عن واقعنا. أذكر أننا حينما نشرنا تحقيقا عن الحشيش، أبدى الكثيرون استغرابهم وقالوا بأننا أصبنا بالحمق. نحن لا نفهم مرد هذا الاستغراب، فكل ما قمنا به هو تصوير للواقع ومحاولة لفهمه. هذا في اعتقادي ما يجب عمله. وحينما تناولنا موضوع المغاربة والخمر قوبلنا بردود الفعل نفسها، أنا لست فقيها ولا سياسيا، أنا صحافي. والصحافي وظيفتهوهدفه هو إعطاء صورة غير خداعة عن الواقع وتقديمه بجميع تجلياته مهما كانت صادمة. هذا ما جعلنا نختار مواضيع تثير الناس وتجعلهم يدركون أنهم لا يعرفون أنفسهم بشكل كاف. مسألة أخرى أساسية هي أننا نحاول أن نحافظ على درجة عالية من المهنية فيما يخص الخبر وتدقيق المعلومات.
هل أرقام المبيعات التي تعلنون عنها حقيقية؟
هي كذلك.
ما هو آخر رقم حققته المجلة؟
وصلنا الآن معدل 14500 نسخة في الأسبوع.
لماذا تعمد بعض الصحف إلى إعطاء أرقام مغلوطة حول مبيعاتها؟ هل فقط كي تحظى بالإعلانات أم من أجل حظوة أكبر لدى أصحاب القرار؟
أعتقد أنه للسببين معا. هناك صحف موجودة لأن هناك لوبيات تريدها أن توجد وتبقى، لكن وجودها ليس مدعوما بشكل كاف من القارئ، وبالتالي لا يكون لها وزن حقيقي داخل سوق القراءة. لهذا السبب تحتاج إلى تغليط أرقام مبيعاتها كي تحظى بالإعلانات وبالحظوة لدى أصحاب القرار. لكن أظن أن الهيئة الذي أنشئت أخيرا ستضع القوانين الكفيلة بالحفاظ على الشفافية اللازمة بخصوص المبيعات، مع أن بعض الناشرين أبدوا تخوفهم وطلبوا أن لا يبدأ عهد الشفافية قبل عام 2006.
لماذا تحظى الصحف والمجلات بالفرنسية بالإعلانات أكثر من الصحف المكتوبة بالعربية؟
أنا لم أفهم يوما سر هذه الوضعية. أظن أن السبب الأول مرتبط بجهل الوكالات المكلفة بالإعلان لسوق القراءة في المغرب. فالصحف العربية تبيع أكثر، وإذا كانت هناك عقلانية ومنطق يحكمان عملية تدبير مسألة الإعلانات، فمن المفروض أن يكون سوق الإعلانات بالعربية أهم.
أما السبب الثاني فهو أن عقلية أصحاب الأعمال في المغرب مازالت فرانكفونية أكثر منها عربية. وحينما يفكر رجل الأعمال في الدعاية فإنه يفكر في فعل ذلك بالفرنسية، مع أنه ليس قريبا حتى من العامل الذي يعمل عنده ولا يفهم إلا العربية. هنا تطرح مشكلة تعالي فئة بورجوازية عن الواقع وقلة مهنية وكالات الدعاية وعدم عقلانيتها في التدبير.
الفرانكوفونية في المغرب ذات نفوذ قوي، لكنها شعبيا مهزومة وينظر إليها أحيانا مثل طابور خامس، ألا تحسون بأن الصحافة الفرنسية تغرد خارج المشاكل الحقيقية للمجتمع المغربي؟
هذا ليس حكما مطلقا، وأنا لا أحس بأن مجلتنا تغرد خارج هموم المجتمع. الصحافة الفرنسية (في المغرب) بدأت تعرف تطورا مهما بفضل وجود صحافيين يتحدثون اللغتين العربية والفرنسية، لذلك تضاءلت الهوة بين الصحافيين الفرانكوفونيين والصحافيين الذين يكتبون بالعربية.
الملاحظة الثانية أن هذه المشكلة طرحت في بداية التسعينات حينما كانت الصحف الفرانكفونية تهتم أكثر بالقضايا الاقتصادية، الآن أصبحت لدينا صحف شاملة. صحيح أن هناك مغالاة في الاهتمام بالدولة و صانعي القرار، لكن هذه المشكلة توجد أيضا عند المعربين، والأمر هنا لا يرتبط باللغة، ولكن بهشاشة سوق الصحف التي تجعلها تبحث بشكل مضن ومستمر عن أكبر عدد من القراء من خلال ما هو أكثر إثارة. وأظن أن المشكلة الكبرى هي نقص القدرة الإبداعية في إيجاد مواضيع مناسبة.
لكن هل القارئ هو الذي يحدد مستوى الصحف أم العكس؟
أعتقد أن المسألة أساسا هي مسألة منتوج، حتى على مستوى الكتب. إذا كان المنتوج جيدا فسيفرض نفسه بالضرورة وسيجذب إليه القارئ، لكن السقف الحالي لعدد القراء في المغرب ما زال ضئيلا جدا مقارنة بما يمكن أن يكون. حينما نرى أن الصحف الجزائرية تبيع 300 ألف نسخة، وفي مصر تبيع اليومية مليون نسخة، أقول إننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق المستوى المطلوب في عدد القراء.
وما السبب في رأيك؟
الأسباب كثيرة، منها أن ثقافة القراءة غير موجودة في المناهج التعليمية. نحن ندرس التلاميذ مجموعة أشياء كي يحفظوها عن ظهر قلب، لكن لا نحببهم في القراءة. ثانيا، المغرب يعرف سطوة التلفزيون والانترنيت، ورغم أن الانترنيت يمكن أن يكون وسيلة للقراءة إلا أنه غالبا ما لا يستعمل لهذا الغرض. السبب الثالث مرتبط بعدم جودة المنتوج المقدم بشكل عام، هناك صحف جيدة لكن ما زال هناك عمل وجهد يجب أن يبذل على مستوى اختيار المواضيع والابتكار والقدرة على جلب الناس والإبداع في اختيار المواضيع. رابعا، الناس في المغرب حينما يتمون دراستهم فإنهم يتوقفون أيضا عن القراءة ويقلعون عن تثقيف أنفسهم، وبذلك يصبح لدينا نوع من الأمية بعد الدراسة.
لماذا تنزعون في "تيل كيل" نحو استعمال السخرية، وهل تفكرون بالفعل في إصدار مجلة ساخرة بالعربية؟
السخرية جميلة، فكثيرة هي الأشياء التي تمرر بالضحك وبالهزل أكثر من الجد واللغة الخشبية المباشرة.
أليس اللجوء إلى السخرية مرده نقص الجرأة في طرح المواضيع بشكل مباشر؟
السخرية لا تعني التحايل على الموضوع وعدم كشف ما نريد قوله، بالعكس نحن دائما نكتب بشكل مباشر ولكن مع جرعة من السخرية ونوع من الكتابة الرشيقة وغير الركيكة. نحن نتفادى الركاكة ونعمد إلى الأسلوب السهل والبسيط والرشيق كي يقبلنا القارئ. لكننا نسمي الأشياء بأسمائها وليست لدينا مشكلة، وثقافة تسمية الأشياء بغير أسمائها جاءت من صحافيين يتحدثون فقط مع صانعي القرار وفئة أهل الحل والعقد، أما نحن فنخاطب العامة. وأنا شخصيا ضد التفريق بين الخاصة والعامة، وأرى أن ما يعرفه عدد قليل من الناس يجب أن يعرفه الجميع.
وماذا عن تيل كيل بالعربية؟
هذا حلم لكنه ما يزال بعيدا.
لماذا؟ أليس ممكنا تحقيقه في الوقت الحالي؟
نحن ما زلنا في البداية ويجب أن نقوي تيل كيل الفرنسية قبل أن ندخل في تجربة جديدة.
نجحتم إلى حد ما في تجاوز الرقابة والذاتية وبدا في بعض ملفاتكم مغامرة غير محسوبة، هل سبق أن تلقيتم توبيخات يوما ما من جهة ما؟
إطلاقا.
ولا تهديدات؟
ولا تهديدات.
هل لنا أن نعرف من الذي دعمكم من أجل إصدار المجلة؟
مصادر تمويلنا معروفة، ونشرنا في أول عدد أسماء المساهمين. وأخيرا تم تحديد المساهمين وكلهم رجال أعمال ولهم غيرة على المشهد الإعلامي ولا يتدخلون في الخط التحريري بتاتا لأنهم منذ اليوم الأول وقعوا على التزام بعدم التدخل في الخط التحريري وإعطاء كامل الحرية لهيئة التحرير في تحديد مواضيعها. هم وراءنا فقط كسند مادي ونحن نشتغل كشركة، وبفضل عائدات الإعلانات وتزايد عدد القراء أظن أننا سنحقق قريبا توازنا ماليا.
ما صحة الأخبار التي تروج كون جهات نافذة تقف خلفكم؟
غير صحيح، لأن الأشخاص الذين يدعموننا ليست لهم أية علاقة مع أصحاب القرار.
ولا انتماءات حزبية؟
ولا أي انتماء حزبي.
هل صحيح أنكم متعاطفون بشكل من الأشكال مع الأمير مولاي هشام (ابن عم الملك)؟
غير صحيح ولم يحصل أن كتبنا أي شيء لدعم مولاي هشام أو ضده. أولا، نحن نعتبر مولاي هشام أميرا، ثانيا يمكن أن نعتبره مواطنا، كما أنه تمت المغالاة في مدى طموحاته. على أية حال ليست لنا أية علاقة معه بأي شكل من الأشكال، ماعدا الاحترام الذي يجب أن نكنه لشخص في مرتبته.