مرشّح الرئاسة الفلسطينيّة في حوار مع إيلاف:
عرفات إعتقلني وحاول اغتيالي بسبب مقال

أسامة العيسة من القدس: بالرغم من معرفته بأن الإنتخابات الفلسطينية العتيدة تبدو بعيدةً، إلا أنّ الدكتور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، الذي حاورتهه "إيلاف" يعرّف عن نفسه بـ"مرشّح الرئاسة الفلسطينيّة"، وسبق له أن أعلن عن ترشيح نفسه في مواجهة ياسر عرفات رئيس السّلطة الفلسطينيّة، مقدّمًا وجهة نظر للخروج من الأزمة، ومشيرًا الى أنّه ناشطٌ في مواجهة الأنظمة العربيّة أيضًا.

ويعتبر قاسم، المولود في قرية دير الغصون، قرب مدينة طولكرم عام 1948 احد ابرز المعارضين المستقلين لسياسات السلطة الفلسطينية، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وعلى الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ولاية كنساس، وعلى الماجستير في الاقتصاد من جامعة ميزوري الأميركية، وعلى الدكتوراة في الفلسفة السياسية من جامعة ميزوري عام 1977.

يقول انه فصل من عمله في الجامعة الأردنية عام 1979 لأسباب سياسية على إثر اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان. واعتقلته السلطات الإسرائيلية عدة مرات واتهم المخابرات الفلسطينية بمحاولة اغتياله عام 1995 وأصيب بأربع رصاصات. كما اعتقلته السلطة الفلسطينية اكثر من مرة.

وفي هذا اللقاء تحدث قاسم لـ"إيلاف"، محملا عرفات المسؤولية عما يجري في الساحة الفلسطينية، واتهمه بالتفرد بالقرار الفلسطيني، مقدما وجهة نظر للخروج من الأزمة:

أمة ذليلة
*أنت صاحب نشاطات متعددة: تدرس في جامعة، تكتب الكتب والأبحاث وتنشر المقالات، وتنظم الندوات والمحاضرات، وتدخل المعتقلات ويطلق عليك النار، وتتصل بالناس في الداخل والخارج، وتقوم بمبادرات سياسية وتنظيمية. سؤالي ببساطة ماذا تريد؟
-إجابتي ببساطة أنني أحترق في داخلي على هذه الأمة وهذا الشعب. إنني لن أقوى على حمل ثقل الأمانة بهذه النشاطات لكنني فقط أساهم. أمتنا ذليلة ويتحكم بها طغاة عتاة لا يعرفون الله ولا يحكمهم ضمير حي. الأوطان مستباحة والثروات مستغلة والأعراض منتهكة. أنا فقط أرى أنها مسؤولية المسلم أن يقف بجرأة وشجاعة من أجل التغيير عسى نستطيع تحقيق الاستقلال.
أما على المستوى الفلسطيني، فأنا أرى شعب يقدم التضحيات وقيادة تبدد الطاقات. شعبنا يقدم وقيادته تعزف على وتر آخر ومناقض مما كبدنا الكثير عبر السنوات الطوال. هناك خلل كبير على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وأرى أنه لو تم اتّباع سياسات عامة تحرص على الشعب لما تكلفنا كل هذه التضحيات ولما وصلت القضية الفلسطينية إلى مثل هذا الوضع من التنازلات. ما أريد هو إعادة ترتيب النسيجين الاجتماعي والأخلاقي، وإعادة ترتيب أوضاعنا الأمنية والاقتصادية والثقافية بطريقة تتناسب مع متطلبات التحرير وبناء دولة حقيقية.

*لكن من أين لك هذه الطاقة؟
-القوة من عند الله، وأدعو الله أن أبقى قادرًا على الحركة والعطاء. كما وأدعو الله أن أكون ممن يحسنون صنعا. أخي: أنا من الذين لا يهدرون الوقت ويتقنون استخدامه بكفاءة عالية. ولهذا تجد لي الكثير من النشاطات الواسعة الانتشار.

تجمع قومي
*ما هو التجمع القومي الذي دعوت إليه مؤخرًا، وهل هذا يتناقض مع الفكرة الإسلامية التي تحملها؟
-التجمع هذا، هو تجمّع عربي وليس تجمعا قوميا، ويهتم بجمع الناس على مستوى الوطن العربي، عرب أو غير عرب، لدعم بعضهم البعض في مواجهة الأنظمة. إنه تجمع يقوم على أسس شعبية وليس أيديولوجية ولا يحمل في طياته أبعادا قومية في مواجهة قوميات أخرى. هناك مناضلون عرب من تيارات مختلفة يحتاجون إلى الوقوف والمؤازرة في مواجهة أجهزة المخابرات، والتجمع يقوم بذلك فقط. فمثلا، أصدرنا بيانات دفاعا عن السيد علي السنيد من مأدبا، وعن الدكتور حسين الدرج من مصر وهيثم الملاح من سورية.

التجمع لا يتناقض مع الفكرة الإسلامية. أنا مسلم ومؤمن بأن الفكرة الإسلامية ستسود. لكنني أختلف في بعض الطروحات الاجتماعية والثقافية مع بعض الحركات الإسلامية التي أرى أنها تثقل الدين الإسلامي ببعض التقاليد العربية وتحاول أن تفرضها على أنها من صلب الدين.


*أنت ضد أوسلو وقررت أن تخوض الانتخابات إن جرت منافسًا على رئاسة السلطة. أليس في هذا تناقض؟
-يبدو الأمر على أنه يحمل التناقض. لكنني أخوض الانتخابات التي تبدو بعيدة الاحتمال لسببين:
أولا: من أجل إصلاح الوضع الداخلي الذي لن يصلحه أحد غيرنا. كيفما نظرت تجد التصدّع والانهيار والإمعان في الهدم والتخريب. ثانيا: حتى لا تبقى الساحة مسرحا لأهل أوسلو وما تبع ذلك من اتفاقيات. الموجودون الآن في السلطة هم الذين يتحدثون باسم فلسطين وشعبها، وإن لم نخض الانتخابات كأصحاب توجهات أخرى فإنهم سيبقون يمثلوننا في مختلف المحافل. أرى أن الانتخابات إن جرت تشكل وسيلة لتغيير القيادة الفلسطينية ونهجها.

برنامجي الانتخابي متناقض مع أوسلو. إنه برنامج مختلف وهو مطروح أمام الشعب الفلسطيني، وللشعب أن يقرر يوم الانتخابات أي البرامج يريد. برنامجي لا يتعبّط الأمور ولا يستخدم الكلام الساخن. إنه يركز على الأوضاع الداخلية التي أعتبرها منبع القوة. الشعب الذي يعاني بيته من الفساد لا يستطيع أن يحيا. ويتناول البرنامج أمورا أمنية وسياسية خارجية باقتضاب بسبب حساسيتها ضمن الأوضاع الأمنية الصعبة التي نعيشها.

ضد الانظمة

*لماذا فصلتك الحكومة الأردنية من الجامعة الأردنية؟
-لم أكن أظن يوما أنني سأستمر في الجامعة الأردنية كمدرس لأنني لا أستطيع أن أدرس طلابي سوى ما أرى أنه الحقيقة. أنا أستاذ في العلوم السياسية ولا أستطيع أن أكون تافها أمام الطلاب أو جبانا أهرب من الحقيقة. كنت أدرسهم عن الأنظمة العربية وعن النظام الأردني بالتحديد. ولهذا كنت أتوقع ألا يطول وقتي في الجامعة الأردنية. سحبوا جواز سفري وفصلوني مع عدد من زملائي. وما زلت نشيطا في مواجهة النظام الأردني والأنظمة العربية الأخرى.

* ولماذا اعتقلتك السلطة الفلسطينية مرارا؟
-بالنسبة للسلطة فالأمر يعود إلى ما قبلها. انتقادي لمنظمة التحرير والقيادة الفلسطينية قديم. منذ السبعينيات وأنا أرى خللا كبيرا في المنظمة يتمثل بإهدار التضحيات والانفتاح الأمني أمام المخابرات الإسرائيلية وباقي أجهزة المخابرات المهتمة بالأمر الفلسطيني، وتبذير أموال الشعب الفلسطيني والإساءة للشعب الفلسطيني من خلال إساءات متعمدة للشعوب العربية بخاصة الشعبين الأردني واللبناني. ولهذا كانت لديَّ دائما علامات استفهام حول القيادة الفلسطينية على اعتبار أن من يقوم بمثل هذه الأعمال لا يمكن أنه يكون مضمرا الخير للشعب والقضية. ولهذا كنت أكرر دائما قناعتي بأن منظمة التحرير ستتفاوض مع إسرائيل وستقبل كل ما رفضته مع الزمن، وأن الأمر فقط متعلق بترويض الشعب الفلسطيني من خلال الهزائم والإحباطات لكي يقبل التنازلات والتسليم لإسرائيل. وهذا ما صدقّه أوسلو وكيفية إدارة السلطة لشؤون الناس.
لهذا وجهت انتقادات شديدة للسلطة ولرئيسها. لكنني لم أقل الحقيقة بعد وسأقولها بوضوح تام عندما أرى أن ذلك سيكون مجديا.


*لكن عرفات أمر باعتقالك، وتتهمه بإصدار الأمر بإطلاق النار عليك؟
-اعتقلني عرفات ثلاث مرات، وأمر بإطلاق النار عليّ مرة واحدة. طبعا لا يوجد لديّ دليل قطعي ضده، لكنني أعرف تماما أن تصرفات من هذا القبيل لا يجرؤ على اتخاذها إلا عرفات.
القشَّة التي أدت إلى إطلاق النار علي هي مقال نشرته في جريدة الوطن التي كان يرأس تحريرها السيد عماد الفالوجي بعنوان الديمقراطية تحت الرئيس. قلت انه لا يوجد في فلسطين ديمقراطية وأن عرفات هو رجل القرار الوحيد في فلسطين. طبعا عرفت الذي أطلق على النار ومن أرسله ومن أرسل من أرسله. إنه من مخيم بلاطة.
أما الاعتقالات فلها علاقة بهجومي على الفساد والفاسدين.


عرفات يعرف ما يريد
*لكنك تهاجم عرفات شخصيا؟
-أنا أحمله مسؤولية ما يجري على الصعيدين الداخلي والخارجي ومنذ عام 1970. هو لم يترك له شركاء لأنه أراد أن يكون القرار كله بيده وبالتالي هو الذي يتحمل المسؤولية. لا شك أن الفصائل والناس يتحملون المسؤولية بسبب سكوتهم وتعاونهم أحيانا لكنهم ليسوا أصحاب قرار في النهاية. أما على المستوى الشخصي، أنا لا أتحدث عنه. أنا أوجه انتقاداتي بصفته رئيسا للسلطة ولمنظمة التحرير الفلسطينية. لكن المشكلة في بلادنا أن الناس يسمون الانتقاد مسبات وشتائم. هناك من يقول لي أنني أسب وأشتم. هذا غير صحيح. وحقيقة لو كان عندنا قضاء محترم لرفعت قضايا متعددة الجوانب ضد رئيس السلطة وفيما يخص الأمور العامة، وعلى رأسها تناقض اتفاقية أوسلو مع ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. طبعا تغير الميثاق، لكن الناس يغيّرون القوانين أولا ثم يتخذون خطواتهم وليس العكس.

* هل هناك فرق بين قيادة عرفات وقيادة كل من الحاج أمين الحسيني والشقيري؟
-نعم هناك فرق كبير. الحاج أمين الحسيني كان يعرف الخطوط الحمراء التي عليه ألا يتجاوزها لكنه لم يحصل على دعم من أجل عمل ذلك. أما الشقيري فوضع في ظنه أن النظام المصري سيحرر فلسطين. لكن عرفات يعرف تماما ما يريد ويقصد ما يعمل.

*ماذا تعني؟
-أعني أن الصورة أمامه وفي ذهنه واضحة وما يجري إنما عن تدبير مسبق وبهدف تحقيق نتائج مخطط لها.

*أنت القائم الأول على ما أسميتموه وثيقة التمسك بالحقوق. ألا ترى أنك وغيرك ممن يجمعون التواقيع تقفزون عن الأمور الجوهرية التي تهم الشعب الفلسطيني؟
-نعم هذا صحيح. من المفروض توظيف الوقت والجهد من أجل التحرير وليس في سباق بين الذين يريدون الاستسلام والذين لا يريدون. صحيح أن هذه المبادرات والوثائق لا تصب في عملية التحرير، لكن الذي دعاني ومن معي للقيام بخطوتنا لجمع تواقيع تؤكد على التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني هو وجود مبادرات أخرى تدعو إلى التنازل وكأن فلسطين أملاك خاصة. الغرب يقدم الدعم المالي لأشخاص لهم وجهة نظر في حل القضية الفلسطينية على أسس من التنازل عن بعض الحقوق، وهم يغرقون الساحة بإعلاناتهم ومنشوراتهم. إنهم يجمعون التواقيع بهدف الإثبات للغرب بأن الشعب الفلسطيني مختلف عمن يصفونهم بالمتطرفين الإرهابيين. ولهذا كان لا بد من خطوة مضادة لنقول للعالم أن الشعب الفلسطيني وعلى الرغم من الآلام والأحزان متمسك بحقوقه وسيأتي يوم تنقلب فيه موازين القوى.
يحصل أصحاب المبادرات التنازلية بالإضافة إلى الدعم المالي على دعم إعلامي بالأخص من الفضائيات العربية. يظن المتتبع لوسائل الإعلام أن هؤلاء يعبرون عن موقف الشعب الفلسطيني. أما إذا قرر هؤلاء التوقف عن مبادراتهم وجهودهم في جمع التواقيع فإن حملتنا ستتوقف فورا.

*أرى أن أعضاء من فتح يتعاونون معك؟
-هذا صحيح. فتح تنظيم فلسطيني له حضوره القوي يزخر بالشرفاء الذين يرفضون التنازل. لكن في الصورة أيضا عدد من التنظيمات الفلسطينية.

*ومن يمولكم؟
-لا أحد. نحن ندفع من جيوبنا وعملنا تطوعي. لا مال لدينا لدفع رواتب أو مكافآت، ونحن نتحمل التكاليف. لا نريد دعما ماليا من أحد ولسنا بحاجة.

*وهل ستستمر في نشاطك الذي يبدو واسعا؟
-أنا من الناس الذين لا يكلون ولا يملون ولا يتغلغل اليأس إلى قلوبهم. أعي تماما أن الناس ليسوا عونًا في كثير من الأحيان لأنفسهم. كثير من الناس يعرفون الحق ولا يسعون إليه، وكثيرون يتحدثون عن الحق ولا يعملون به، وكثيرون يعونه ويتحدثون عنه ويعملون نقيضه. لكن القلة المستنفرة تتفوق بالتأكيد على الكثرة النائمة.
تجد العديد من الناس ينتقدون السلطة مثلا، لكنهم يساهمون بالفساد من حيث اللجوء إلى الوساطة أو تقديم طلبات لعرفات شخصيا من أجل الحصول على المال. الصبر والمثابرة هما العنوان السليم لتحقيق نتائج تعود بالخير على الشعب والأمة.