في المدرسة الحربية وقائدًا للجيش(2)
عون في بيروت السبت بعد نفي 15 عامًا


ريما زهار من بيروت: في المدرسة الحربية ، أدرك الطالب ميشال عون، النواقص والأخطاء والثغرات التي تتحكم بتنظيم الجيش، كما أدرك خطر استمرار العقلية التي تكون النهج المتبع في القمة والذي يتجسد في سياسة :"دولة ضعيفة مبنية على التسوية" ولا تريد أن "تحكم وتقود جيشًا قويًا، كما لا تريد ذلك مخافة أن يصبح الجيش القوي هو الدولة والسلطة. ومن هنا اتفقت جميع العهود التي توالت على الحكم في لبنان، على ابقاء الجيش ضعيفًا وعلى شكل الدولة الضعيفة. ويقول عون:"لقد بدت المناقشات السياسية تحتدم في المدرسة الحربية فعبد الناصر الذي أزاح محمد نجيب امم القناة والحرب في الجزائر كانت قد احتدمت وفي الجنوب بدت المناوشات مع الجيش الاسرائيلي". وكانت هذه المناقشات تحمل في طياتها مواقف سياسية متضاربة ومتناقضة تناقضًا حادًا منها بدافع قومي ومنها بدافع طائفي وكانت التساؤلات كثيرة لكن ابرزها سؤالان:
ونحن أين يجب أن نكون؟
والى اين نحن سائرون؟
هذا السؤالان حملهما في ذهنه ووجدانه الملازم ميشال عون وهو يردد مرة أخرى :"أجل، لكم لبنانكم ولي لبناني.
إذن لم يكد الطالب ميشال عون ينهي دروسه الثانوية حتى خطا خطوته التالية دونما تردد وكأنه قد قررها مسبقًا.
أما ابواب المدرسة الحربية أو "مدرسة الظباط" كما كانت تعرف آنذاك فلم يكن عبورها سهلًا لمتوسطي الحال وخصوصًا لمن ليس "عندهم ظهر" أو "واسطة". وعائلة عون كما هو معروف مؤيدة لحزب " الكتلة الوطنية" والعميد اده مشهور بانه لا يتوسط ولا يطلب الخدمات لانصاره وميشال كان يعرف هذه الحقيقة كما انه بطبعه لم يكن يحب استجداء الشفاعة من أحد.

مسيرته العسكرية

في ايلول (سبتمبر) من العام 1958، تخرج ميشال عون من المدرسة الحربية برتبة ملازم في سلاح المدفعية ويقول عارفوه انه منذ حداثة سنه يملك مواصفات المدفعي الناضج دقة وتهديفًا. ومنذ العام 1958 ترافقت حياته في السلك العسكري مع بدء عهد الرئيس فؤاد شهاب، حفيد الامراء الذين امتلكوا حارة حريك لغاية 1861 وكان اول رئيس جمهورية يصل الى السدة الاولى من موقعه في قيادة الجيش وكانت دورة تخرجه اول دورة تتم في عهد الرئيس الراحل اللواء شهاب.

العام 1959 عين ميشال عون آمر فصيلة في بطارية مدفعية في الفوج الثاني ثم رقي في العام 1961 الى رتبة ملازم اول وفي ذلك الحين عهدت اليه المحكمة العسكرية بمهمة الدفاع عن عدد من عناصر الحزب القومي السوري الاجتماعي الذين اعتقلوا لضلوعهم في المحاولة الانقلابية.
وظل يترقى حتى ليلة عيد الميلاد عام 1980 عين قائدًا للواء الثامن المكلف الدفاع عن قطاع عين الرمانة- بعبدا ، وعندما خرج الاسرائيليون من بيروت في العام 1982 عين العقيد مسشال عون نائبًا للعميد مزبودي في قيادة عمليات منطقة بيروت ، وفي العام 1983 اصبح قطاع عين الرمانة- بعبدا النواة الاولى في تشكيل اللواء الثامن الذي انشىء بقيادة عون وهو استمر يقوده حتى تسلمه قيادة الجيش في حزيران (يونيو)1984، وكان الجيش تعرض للمآسي خلال احداث الانتفاضة التي قامت في بيروت الغربية والضاحية والجبل في 6 شباط (فبراير)1984 وبعيد مؤتمري لوزان وجنيف ما بين العام 1983 والعام 1984.

قائدًا للجيش

كان لا بد للحكومة الجديدة، بعد هدوء الجبهات في بيروت والجبل، والشروع في عقد محادثات جنيف ولوزان لاجراء المصالحة وبالتالي ترسيخ الوحدة الوطنية على اسس سليمة ان تبحث في تعيين قائد جديد للجيش يحل مكان العماد ابراهيم طنوس. وبدأ تداول الاسماء التالية لاحتلال هذا المنصب :اللواء حبيب فارس، العقيد ميشال عون، العقيد اميل لحود والعقيد جورج حروق وغيرهم. وكان كثيرون يعتقدون انه سيكون على ميشال عون فيتو سوري. غير ان المفاجأة كانت بعد ظهر 23 حزيران (يونيو) 1984 عندما عين العميد ميشال عون قائدًا للجيش بترقيته الى رتبة عماد، ووافق عليه السوريون وما لبثوا بعد تسلمه القيادة ان دعوه الى زيارة دمشق حيث استقبلوه استقبالًا بمستوى رئيس للجمهورية واجتمع عون مع حكمت الشهابي ومع نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام ومع كبار القادة السوريين.

ومن يلقي نظرة تقويمية على مسيرة ميشال عون العسكرية يدرك ان الاسباب التي حدت بالمسؤولين الى تعيينه قائدًا للجيش تكمن في الامور التالية:
- قيمته العسكرية، فهو منذ استلامه "أفواج الدفاع" كانت كل مواقفه العسكرية ناجحة، فلم يخسر اي معركة عسكرية مما كون لديه شعبية في صفوف ضباط الجيش الذين اصبحوا يثقون بقيادته العسكرية. - القيمة الخلقية التي تميز بها العماد عون من ناحية تخصيص وايلاء الحياة العسكرية كل وقته واهتمامه، دون ان يتعاطى في اي شأن آخر خارج المؤسسة العسكرية.
- موقفه السياسي الذي كان على السوية ذاتها من الفرقاء كافة، دون الانحياز لأي فريق سياسي.

كل هذه الخصائص صبت في ثقل مزايا العماد عون واختياره دون غيره من الضباط لتولي مسؤولية قيادة الجيش رغم عدم رضى رئيس الجمهورية آنذاك امين الجميل ومن مناهضة الوزير وليد جنبلاط وحلفائه في "الحركة الوطنية". كان امين الجميل مثل كل زعيم لبناني يفضل ضابطًا لينًا يديره كما يشاء يخضع له ويتفاعل معه سياسيًا لمساعدته على تنفيذ خطوات معينة في ما بعد. لكن في النهاية رضخ الجميل لضغوطات معينة لان مركز قائد الجيش ليس من المراكز البسيطة وتدخل فيه عوامل اقليمية ودولية.

وهكذا بات ابن حارة حريك البالغ من العمر 49 عامًا اصغر ضابط يتولى قيادة الجيش اللبناني وقد جاء بعد سلسلة من القادة وهم : فؤاد شهاب، عادل شهاب، اميل البستاني، جان نجيم، اسكندر غانم، حنا سعيد، فكتور خوري، وابراهيم طنوس. (في الحلقة المقبلة ميشال عون رئيسًا للحكومة وحرب التحرير)

عون في بيروت السبت