بعد الانتصار الإلهي
لبنان أمام هزيمته الساحقة
ويبدو ان قادة حزب الله الميدانيين قد قسموا بيروت إلى مناطق بحسب قدرتها على الاعتراض والمقاومة في مواجهة خطتهم الرامية إلى احتلال الشارع. ومن ناحية ثانية تنشر الصحف ووسائل الإعلام خططاً للمواجهة يشترك فيها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، حيث يقوم هؤلاء بقطع الطرقات الأساسية في الجنوب والبقاع والشمال، بحيث يجبر حزب الله ومناصروه على التظاهر في الضاحية الجنوبية دون بيروت العاصمة. إلى هذا تتواصل التحضيرات اللوجستية لدى المعارضة الرامية إلى تنفيذ خطة شل البلد تمهيداً لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة. وفي مواجهة هذه الخطط العملانية يبدو ان احياء بيروت ذات الكثافة السكانية بدأت تعد خططها ايضاً للمواجهة.
النتيجة المنطقية لكل هذه التحضيرات: لن تكون الاعتصامات والتظاهرات حضارية وسلمية ويكفلها الدستور. سينفجر البلد بما فيه ومن فيه. هذا اقل ما يقال، وهذا ما يتخوف منه الرئيس نبيه بري، رغم انه ما زال ماضياً في خيار تحالفه مع حزب الله. ويبدو ان الساعات القليلة المقبلة التي تنشط فيها المبادرات من كل الجوانب لن تنجح في إيقاف قطار الحرب الاهلية الذي تجدد نشاطه في الآونة الاخيرة. ولم يعد سراً ان الحرب الأهلية اللبنانية انجزت كل مفاعيلها ولم يعد ثمة غير خيار المواجهات. فحتى لو تراجع الجميع فجأة عن اصرارهم على بلوغ المواجهات بينهم حد الشوارع المتقابلة، فإن ما جرى قد جرى، ولم يعد ثمة امكانية لرأب الصدع بين الطرفين.
لقد انجز التوتير وحرب الشائعات التي تم اطلاقها في البلد في الأيام القليلة الماضية كل فروض الانقسام المذهبي الحاد. ولم تعد تفصل اللبنانيين عن جراحة الفرز الطائفي والديموغرافي إلا الوقت اللازم لإنجازها. بل ان المؤسسات الخاصة المختلطة اليوم تعاني من انقسام حاد بين موظفيها، والأرجح ان اي رب عمل في المقبل من الأيام لن يقبل بتوظيف اشخاص من غير ملته، وان اصحاب البنايات والشقق لن يعودوا لتأجير من ليس من ملتهم. والخلاصة اننا امام فرز حاد وحتمي لا يمكن تفاديه اليوم بعودة القادة عن تعنتهم الذي ميز موافقهم في المرحلة السابقة. والخاسر الاكبر في هذا المسلك من مسالك الحرب الأهلية هو الناس بكل طوائفهم ومذاهبهم.
الهيئات الاقتصادية ترفع صوتها عالياً وتهدد من ان الاقتصاد يعاني من سكرات الموت، وان البلد يحتاج وقفاً للتوتير المتبادل قبل فوات الأوان وخراب الهيكل على الجميع. لكن القوى السياسية ماضية في مشاريعها وفي تعنتها إلى الحد الذي يجعل لبنان وطناً وكياناً في اسفل قائمة الاهتمامات.
من الثابت ان اي طرف من الاطراف في لبنان لن يستطيع اختراق التكتلات الطائفية الأخرى ولن يستطيع تحقيق نصره عليها. والحق ان سياسة الابتزاز التي تمارسها بعض القوى في حق بعضها الآخر لا تفت في عضد القوى والجماهير المطيفة، بل تجعلها اكثر صلابة واكثر استعداداً للمواجهة والدفاع عما تعتبره اساسياً ولا يمكن التفريط به. لكن مثل هذا التوتير الناجم عن الابتزاز الذي لا حدود له، له اثاره الخطيرة جداً على وحدة البلد ودولته الجامعة وعلى امكان التعايش مرة أخرى تحت سقف وطن واحد.
لقد نفدت المهل وها هو حزب الله وحلفاؤه يعدون العدة لبدء الهجوم. ولم يعد خيار التراجع ممكناً. حزب الله يخوض مرة أخرى معركة لا خيار له فيها غير الانتصار. لكن الانتصار هذه المرة اما يكون ساطعاً او يكون هزيمة نكراء. لا مجال في هذه المعركة لنصف انتصار كما حدث في الحرب الاخيرة. لكن المجال مفتوح امام الجميع لتحقيق هزيمة ساحقة.
التعليقات