اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل
صعوبة تبرئة النظام السوري

بلال خبيز: يرى بعض المحللين المطلعين على خفايا النظام السوري ان عملية اغتيال الوزير بيار الجميل وبسبب من نتائجها الكارثية على النظام السوري نفسه وعلى المعارضة اللبنانية التي يقودها حزب الله في لبنان، انه من الصعوبة بمكان ان تكون القيادة السورية في اعلى مستوياتها على علم بهذه الجريمة او انها اجازتها. عملاً بقاعدة التفتيش عن المستفيد في كل عملية اغتيال تحصل. مما يعني بحسب هؤلاء ان قدرة القيادة السورية على ضبط اجهزتها الامنية باتت ضعيفة إلى الحد الذي قد تورط فيها هذه الاجهزة قيادتها في ما لا تريد التورط به اصلاً. ويورد المحللون وكتاب الأخبار والتعليقات في الصحف العربية واللبنانية اخباراً كثيرة عن المصاعب التي يعانيها الرئيس السوري بشار الأسد وهو يحاول البقاء ممسكاً ببعض مقاليد السلطة في النظام السوري. وبعضهم يذهب إلى تعيين الرؤوس التي تمسك بمقاليد القرارات السورية، من اللواء آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس السوري، إلى العقيد ماهر حافظ الأسد، وصولاً إلى الضباط الكبار في أجهزة الامن وعلى رأس قطع الجيش. لكن هذه الاخبار التي تتوالى وتتواتر لا تملك حظاً كبيراً من الدقة التي يمكن الاستناد إليها في اي تقدير دقيق للوضع في سورية.

مثل هذه المعلومات الصحافية لا يمكن الركون إليها في اي حال من الاحوال، ذلك ان الكثير من هذه المعلومات انما يتم نشرها وبثها لذر الرماد في العيون، واحياناً تكون جزءاً لا يتجزأ من سياسات اكبر من الصحيفة او الوسيلة الإعلامية التي تقوم بنشرها. فلا يمكن لأي كان ان يصدق ان صحافياً، حتى لو كان في وزن محمد حسنين هيكل، كان في وسعه ان يقنع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الظهور على شاشة تلفزيونية في مقابلة طويلة يتهم فيها الرئيس السوري بالمسؤولية عن اغتيال رفيق الحريري. مثل هذه الحالات لا يستطيع الصحافي ان يقررها في طبيعة الحال، وهي تفوق طاقة الوسائل الإعلامية على الاحتمال. وإن كان البعض يعتقد ان الصحافة تملك من السلطات ما يخولها الصمود في وجه نظام او حركة حزبية جماهيرية.

لكن هذا كله لا يجعل من النظام السوري بريئاً براءة خالصة من دم الوزير الجميل. والحق ان الاتهامات التي توجه للنظام السوري في هذا المجال، ليست اكثر من اتهامات سياسية حتى يثبت القضاء صحتها. ولا يظنن احداً ان القرائن السياسية لا وزن لها في الحسابات القضائية. بل ان هذه القرائن اول ما تؤخذ في اعتبار القضاء والتحقيق.

من نافل القول ان النظام السوري ما زال في رأس قائمة المتهمين سياسياً في هذه الجريمة وفي الجرائم التي سبقتها في لبنان. ذلك ان السلوك السياسي الذي دأب هذا النظام على اتباعه حيال لبنان منذ خروج القوات السورية منه في ربيع العام 2005، تضعه دائماً على رأس قائمة المتلاعبين بالوضع السياسي والامني في لبنان. وبصرف النظر عن النتائج التي قد تبدو كارثية على النظام السوري للوهلة الاولى جراء ردود الفعل على اغتيال الوزير الجميل، إلا ان هذا النظام لا يخسر شيئاً من رصيده جراء ردود الفعل الشاجبة والمستنكرة. فالنظام معزول اصلاً ويعاني من هجومات متكررة عليه، يختلط فيها الصحيح بالمفبرك ويتداخل فيه الحق بالباطل في كثير من الأحيان. مما يجعل من احتمال ازدياد الضغوط عليه امراً ليس بذي بال.

على اي حال من المبكر جداً الحديث عن ربح النظام السوري او خسارته جراء هذه العملية التي حصلت. لكن الثابت ان فريق 14 آذار خسر خسارة مادية جليلة، وان تعويضها ليس سهلاً مثلما يخيل للبعض. بل ان وصول حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى حافة الثلثين، واضطرار حسن السبع الوزير المستقيل منذ اوائل شباط الماضي إلى العودة عن استقالته لإعادة التوازن القلق إلى الثلثين المقررين في حكومة السنيورة امر لا يمكن اخذه على محمل الربح الصافي الذي تمثل في ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على عملية اغتيال احد اركان 14 آذار. فضلاً عن هذا كله، فإن مثل هذه التحليلات تريد تحميل القتيل مسؤولية موته، وفي هذا ظلم لا مراء فيه. والحق ان السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري أشار في مناسبة سابقة وهو يدافع عن براءة النظام السوري من دم الرئيس الحريري إلى احتمال من هذا القبيل. وعلى نحو ما جرّت تلك الجريمة وبالاً على النظام السوري ودوره في لبنان، فإن هذه الجريمة التي قد يكون لها اثر مماثل، لن تجعل من اصابع الاتهام السياسية تتوجه في جريمة اغتيال الوزير الجميل وجهة أخرى. ذلك ان النتائج في مثل هذه العمليات ليست مرتبطة بالمقدمات. تماماً مثلما يحدث في الحروب الحديثة، إذ لا تكفي فيها القوة العارية والمتفوقة لربح المعركة، بل ربما تخسرها بسبب هذه القوة المفرطة احياناً، مثلما حدث مع اسرائيل في حربها ضد لبنان عام 1996 و2006، ومثلما حدث معها جزئياً في بيت حانون.