نحو 200 شخصية عامة طالبت مبارك بتعديلها
إثارة إشكالية المادة الثانية من الدستور المصري


البرلمان المصري
نبيل شرف الدين من القاهرة: وسط مناقشات صاخبة في مصر حول طلب رئيس الجمهورية إلى البرلمان بإجراء تعديلات على أربعة وثلاثين مادة من الدستور، بدا أن المسكوت عنه في اقتراحات مبارك أكثر إثارة للجدل، ومن بين القضايا المسكوت عنها في تلك التعديلات الدستورية، تبرز إشكالية المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة والمصدر الرئيسي للتشريع بها، وهو الأمر الذي يعارضه قطاعان في المجتمع المصري، هما العلمانيون والأقباط، الذين يرون في النص تجاهلاً لمعتقداتهم، كما يشكل أساساً لدولة دينية تنتقص حقوق المواطنة للأقباط .

ومن بين المسائل القليلة التي اتفقت فيها جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; مع الحزب الوطني (الحاكم)، هو عدم المساس بالمادة الثانية، وهو ما أكده صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، وأمين عام الحزب الوطني، الذي شدد على أن المادة الثانية غير مطروحة للنقاش أساساً، واعتبر أن مجرد إثارة الحديث عنها يشكل إطلاق قنابل دخان حول التعديلات الدستورية المرتقبة .

هذا التوافق في الرأي بين الحزب الحاكم والإخوان المسلمين في هذه القضية، دفع بعض نشطاء الأقباط إلى اتهام الحكومة بالرضوخ لضغوط الإسلاميين، من أجل عدم طرح هذه المادة للمناقشة، وفي هذا السياق يقول المفكر القبطي الدكتور ميلاد حنا إن الزمان والمكان مناسبان لطرح أفكار مهمة حول التعديلات الدستورية وفتح حوار حول الشخصية المصرية والمبادئ العامة، موضحاً أن المادة الثانية فاصلة ومهمة، وأن من الأفضل تعديل تلك المادة لتكون مبادئ الشريعة أحد المصادر الرئيسية للتشريع .

وهكذا يتضح أن هذه الآراء المتضاربة تعكس حالة احتقان داخل المجتمع المصري، لا تقتصر مظاهرها على الخلاف حول هوية الدولة، بل تمتد إلى عشرات الملفات، وفي هذا الإطار فقد بعث مركز quot;القاهرة لدراسات حقوق الإنسانquot;، إلى رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي الشعب والشورى بنداء، يطالب بتعديل المادة الثانية من الدستور، ووقع عليه نحو مائتي شخصية عامة، وتضم قائمة الموقعين عددا من المفكرين والكتاب والصحافيين وأساتذة الجامعة والسياسيين والأدباء والفنانين والحقوقيين .

مسوغات التعديل
وطالب الموقعون على الرسالة بندائهم إلى رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشورى، والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام، آملين أن يدرج مطلبهم بتعديل المادة الثانية من الدستور ضمن التعديلات الدستورية الجارية، واستند مطلب التعديل إلى الأسباب التالية :

أولا: أن النص على دين محدد للدولة، ينطوي على إخلال بالموقف الحيادي المفترض للدولة تجاه مواطنيها الذين ينتمون إلى أديان وعقائد متعددة، لا يذكرها الدستور المصري على أي نحو. وقد أدي ذلك إلى صدور أحكام قضائية تنكر على مواطنين مصريين حقهم في تبني ما يؤمنون به، ولا تترك لهم سبيلا لاستخراج الهوية الشخصية وأوراق الثبوت القانونية سوي تغيير معتقداتهم .

ثانيا: إن التعديل الذي طرأ على المادة الثانية في عام 1980، والذي بمقتضاه صارت quot;مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع quot; لا يورد مصادرا أخرى للتشريع، مما يجعله المصدر الوحيد، وهو بالفعل ما تؤكده مذكرة اللجنة البرلمانية التي أعدت التعديل في صورته النهائية، حيث أوضحت في تقديمها للتعديل، إن إرادة المشرع الدستوري تعني أنها quot;المصدر الوحيدquot;، وإنها تستهدف بذلك إلزام المشرع بعدم الالتجاء إلى quot;غيرهاquot;، حتى ولو لم يجد في الشريعة الإسلامية الجواب الشافي. وهو ما تنوه به بالفعل المحكمة الدستورية العليا في أحكامها ذات الصلة . لقد كان هذا التطور انتكاسة خطيرة لمبدأ المواطنة ولمشروع الدولة المدنية لحساب الدولة الدينية.

ثالثا : إن التشريعات في كل دولة تمزج بين استلهام المخزون الحضاري الخاص بها، وتلبية احتياجات تطور المجتمعات في الزمان والمكان. ولا يجادل احد بالطبع في أن الحضارة الإسلامية تشكل رافدا رئيسيا في التكوين الثقافي للمصريين، إلا أنها ليست الرافد الوحيد، الذي يترتب عليه بالتالي طمس أو تجاهل مساهمات الحضارات الأخرى ndash;كالفرعونية والقبطية وغيرها - في تكوين وجدان وثقافة المصريين.

كما لا يمكن اختزال الحضارة الإسلامية فقط في الأحكام القانونية التي أنتجتها هذه الحضارة في حقبة محددة، ولا في تيار فكري واحد من التيارات العديدة التي ازدهرت فيها، وبالتالي فإنه كان من الضروري أن يعكس النص هذه الحقيقة التاريخية (تعدد وتنوع منابع التراث الحضاري المصري) والمعاصرة (تعدد أديان ومعتقدات المصريين)، بما يجنب اتهام المشرع الدستوري بأنه يستهدف فرض أحكام دين معين على من لا يؤمنون به، وبالمخالفة لالتزامات مصر بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

رابعا : رغم أن مدرسة الفقه القانوني الإسلامي هي إحدى أهم المدارس في العالم، إلا أن النص الدستوري يتسم بغموض وتضييق شديدين ومن ثم يتوقف تفسيره على المشرع والمفسر الدستوري والقضائي، وبالتالي انحيازه السياسي والمذهبي والفقهي، وفي كل الأحوال فان هذه المبادئ لا يمكن وضعها في مصاف الكتب المقدسة (كالقرآن والإنجيل وغيرهما)، فهي حصيلة اجتهاد بشري جرى منذ نحو عشرة قرون، في ظروف ومعطيات ذلك الزمان التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

خامسا : أن النص الدستوري بهذه الصيغة تجاهل وجود أديان أخرى في المجتمع المصري لها أحكامها الخاصة، الأمر الذي يشكل تدنيا من شأن الأديان والعقائد الأخرى، و ممن يؤمنون بها من المواطنين، وهو أمر له انعكاساته في الحياة الاجتماعية والسياسية اليومية وفي أحكام المحاكم، وفي تعميق الشعور بالتهميش والظلم لدى أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى.

سادسا : إن تجربة ربع قرن من سريان هذا النص يشير إلى أنه كان عاملا ndash; إلى جانب عوامل أخرى- في تراجع الدور الحيادي المفترض للدولة تجاه مواطنيها. وفي انتهاك الحق في المساواة بصرف النظر عن الدين، الأمر الذي صار حقيقة لم يعد احد ينكرها، مهما كان التفاوت في تقييم حجم ونوع وطبيعة مظاهر عدم المساواة . كما جرى توظيف هذا النص لتبرير اجتياح شكليات الدين لكافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية (بما في ذلك أعمال البورصة والبنوك)، و إشاعة مناخ التطرف، على حساب حرية البحث العلمي والفكر والإبداع الأدبي والفني, ومتطلبات السمو الروحي للمصريين. و صارت مناهج التعليم ووسائل الإعلام المملوكة للدولة مصدرا رئيسيا لإشاعة التطرف الديني، حتى بلغ الأمر أن تنشر وزارة الأوقاف كتابا يكفر المواطنين الذين يؤمنون بأديان أخرى ويبيح استحلال أملاكهم ودمائهم!

اقتراحات محددة
وبناء على ذلك فقد طالب الموقعون على ذلك البيان بتعديل نص المادة الثانية من الدستور، مع الأخذ بعين الاعتبار المبادئ التالية :
1. أن الإسلام ديانة غالبية المواطنين.

2. أن القيم والمبادئ الكلية للأديان والعقائد مصدرٌ من المصادر الرئيسية للتشريع، بما لا يتناقض مع التزامات مصر بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أو يخل بحقوق المواطنة، أو بمبدأ المسـاواة أمام القانون .

3. أن التمتع بالحقوق والحريات المدنية لا يتوقف على العقائد الدينية للفرد.

4. ضرورة التزام كافة أجهزة الدولة بالحياد إزاء الأديان والعقائد ومعتنقيها من المواطنين.

وأخيرا فقد أكد الموقعون على النداء أنهم يحترمون كل الأديان والعقائد، ويحرصون على المشاعر الدينية لكافة المواطنين، وإنهم يستهدفون بندائهم هذا المساهمة في الحوار حول تعديل الدستور، وفي انتشال الوطن من منحدر التمزق الطائفي والتطرف الديني الذي يمزق دولا مجاورة، والمساهمة في وضع مصر على طريق التقدم، و مجابهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وإنهم إذ يقدرون حسن النوايا الكامن خلف اقتراح إضافة quot;مبدأ المواطنةquot; في المادة الأولي من الدستور، إلا إنهم يلاحظون انه لا يترتب على هذه الإضافة ضمانات دستورية ملموسة، خاصة في ظل استمرار الصيغة الحالية للمادة الثانية من الدستور.