إستفتاء quot;إيلافquot; يرصد الإستقطاب حول العنف الطائفي
الكويت والبحرين على حزام الزلازل في إيران والعراق

كتب ـ نبيل شرف الدين: على الرغم من الرفاه الإقتصادي والإستقرار السياسي الذي تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا لا يعني أنها بلا مشاكل تصل بعضها إلى حد المخاطر المحدقة، والإشكالية الأكثر إلحاحًا وخطورة، هي المسألة الطائفية، التي يجري التعامل معها بطرق تقليدية كالتجاهل أو النفي القاطع لوجودها أو التعتيم عليها، أو الاكتفاء بترديد خطاب إنشائي مقطوع الصلة بالواقع، يتحدث عن quot; الينبغيات quot;، أكثر مما يتعرض للأزمة بشجاعة، سعيًا إلى حلها بشكل حاسم.

لكي نقطع الشك باليقين يكفي للتدليل على حجم استفحال المسألة الطائفية أن نرصد مدى حدة المعارك الدائرة بمنتديات الحوار الإلكترونية والمدونات لنكتشف ببساطة أن معارك quot;الروافض والنواصبquot; وهي مسميات طائفية بغيضة تنطوي على طعن متبادل في صحة المعتقدات لدى الشيعة والسنة، كما تكشف أيضًا عن حجم الاحتقان الكامن في وجدان الجانبين، والنيران الكامنة تحت الرماد في هذا الملف الشائك.

واللافت في هذا السياق أن هذا الاحتقان خرج إلى العلن ووقف على تخوم الاشتباكات الطائفية في دولتين، كانتا صاحبتي فضل السبق على صعيد التطور السياسي والثقافي في منطقة الخليج كلها، وهما البحرين والكويت، فالأولى بلد ضارب في القدم كان دائماً ملتقى لثقافات آسيا وشبه جزيرة العرب، وتجاوزت حقبة الاعتماد على النفط مبكرًا، واتسمت بقدر هائل من التسامح تجاه الآخر، فرضته ظروف التنوع الإثني والديني والمذهبي، ناهيك عن طبيعة الجزر والمدن الساحلية حيال الآخر، فكل ما يأتي من البحر يحمل خيرًا وبالتالي فهو موضع ترحيب .

أما البلد الثاني فهو الكويت، وهو صاحب أقدم تجربة برلمانية في منطقة الخليج، وتصدى للتنوير الثقافي سواء من خلال نشر المطبوعات الرصينة والكتب الهامة التي تطبع طباعة فاخرة وتباع بأرخص الأسعار، أو من خلال الاهتمام بالفنون والآداب والمسرح والتلفزيون وغير ذلك، وظلت الكويت لعقود بعيدة عن النعرات الطائفية والمذهبية، وتكرس للمواطنة التي تضع الوطن ومصالحه فوق أي اعتبارات أخرى .

زلزالان في إيران والعراق

غير أن مياهًا كثيرة جرت في الخليج، إذ أطاحت الثورة الإسلامية بالنظام العلماني في طهران ـ بصرف النظر عن تقويم هذا النظام ـ لتدشن دولة تعلي القيم الدينية والعقائدية على سواها من قيم المواطنة، بل وأعلن قادة هذه الثورة صراحة سعيهم لما أسموه quot;تصدير الثورةquot;، وهو ما فجر براكين القلق في محيط إيران الإقليمي، وأخرج من بطون التاريخ أحقادًا قديمة، وأحيى خلافًا تفجر في صدر الإسلام، وبقية القصة معروفة للكافة، ولم تتوقف توابع زلزال إيران عند سواحل الخليج، بل تجاوزته لتصل إلى لبنان والأردن ومصر وحتى اليمن.

ثمة زلزال آخر أخرج كل العفاريت من قمقمها، وهو الزلزال العراقي، فتحت حكم استبدادي للطاغية صدام حسين، لم يكن هناك ثمة متسع من الوقت أو الجهد للخوض في الخلافات العقائدية والمذهبية، فالجميع مضطهدون ومرعوبون ومقموعون، ولا يعني صدام ـ المحسوب على أهل السنة ـ أن يكون معارضوه من الشيعة أو السنة، فالأمر الأهم هو هل يشكل هؤلاء خطرًا على نظامه الشمولي أم لا؟.
وحين رحل صدام وسقط نظامه ـ وأيضًا بصرف النظر عن تقويم كيفية إسقاطه ـ خرجت كل الأحقاد التاريخية من كهوفها، وارتفعت وتيرة اللهجة الطائفية بين شيعة يحملون شعورًا مريرًا بالغبن والمظلومية، وسنة يستشعرون خطرًا على وجودهم ومكانتهم، وتصاعد الأمر في ظل مناخ الاحتلال وهشاشة مؤسسات الدولة الجديدة، ودخلت قوى إقليمية على الخط، فدعمت هذا الفريق على حساب الآخر، حتى أصبح الوضع الأمني في العراق لا يسعد حبيبًا ولا عدوًا، ولا يبدو في المدى المنظور إلى أين يمكن أن تؤدي هذه المجازر اليومية بالعراقيين .

توابع الزلزال العراقي لم تكن أقل خطورة من الزلزال الإيراني، بل لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذ زعمنا أنه تجاوزها لأن الأمر لم يعد quot;فارسيًاquot;، بل أصبح quot;عربيًاquot; ومتاخمًا لبلدان مثل الكويت، طالما عانت من نظام صدام حسين الذي لم يتورع عن احتلالها ذات يوم، والتنكيل بأهلها .

كل هذه العوامل بالإضافة إلى مخاوف أخرى يعبر عنها هاجس quot;الهلال الشيعيquot;، الذي يمتد من إيران ويضم العراق ليصل إلى لبنان، وقد يتجاوزه إلى ما هو أبعد، مقابل تنامي المد المتطرف لدى تيار quot;السلفية الجهاديةquot;، التي يمثلها فكر وممارسات تنظيم quot;القاعدةquot; وما انبثق عنه من خلايا عنقودية وأخرى نائمة وغيرها يقظة، وهكذا تحولت الخلافات من المناظرات والمقارعات الفكرية، إلى المواجهات المسلحة، وكدأبها استغلت التنظيمات المتطرفة هذه التطورات، للتسلل إلى تلك المجتمعات التي عاشت قرونًا في ظل صيغة توافقية للعيش المشترك .

نتائج غير حاسمة

وكان قدر البحرين جيوسياسيًا أن تقع على حزام الزلزال الإيراني إذ لا تفصلها عنها سوى بضعة كيلومترات، حين زعم بعض قادة طهران في تصريحات غير منضبطة ما اعتبروه quot;حقوقًا تاريخيةquot; في الجزيرة التي تقطنها غالبية شيعية، فقد تكبد البحرينيون الشيعة فاتورة هذه المزاعم الإيرانية من خلال اتهامات خرقاء أثارها متشنجون في الجانب الآخر (السني)، بأن هؤلاء الشيعة quot;إيرانيو الهوىquot;، وهكذا انزلقت الأمور إلى لغة طائفية طغت على مفهوم المواطنة، وهي بداية ظهور أعراض فيروس الأزمة الطائفية الكامن وما استتبع ذلك من احتقانات واحتجاجات وصلت في بعض الأحوال إلى وقائع عنف ومواجهات دامية .

أما في الكويت المتاخمة للزلزال العراقي الهائل، وكان يصعب على غير الكويتيين أن يكتشفوا أية فوارق بين مواطنيهم من الشيعة والسنة بالنظر إلى أن الشيعة على الرغم من كونهم أقلية في الكويت خلافًا للبحرين، غير أنهم ظلوا جزءًا أصيلاً في نسيج المجتمع، وشاركوا في الحياة السياسية بفاعلية، فضلاً عن حضورهم البارز في الأنشطة الاقتصادية والثقافية .

وما لبثت الأمور أن تدهورت على نحو مأسوي تحولت معه أزمات عبرت الحدود الكويتية، لتصبح سببًا في تفجّر الصراعات بين أبنائه من السنة والشيعة، سواء تمثلت في تداعيات حرب العراق، وصولاً إلى أحدث الوقائع التي تمثلت في ردود الفعل المتباينة حيال اغتيال القيادي في حزب اللهquot; عماد مغنيه، بين مرحبين بذلك، ومن أقاموا سرادقات عزاء حزنًا عليه .

ومن هنا كان سؤال استفتاء (إيلاف) الذي فجر كل هذه التفاصيل، عما إذا كان القراء يتوقعون تفاقم الخلاف السياسي في البحرين والكويت إلى أعمال عنف طائفية ؟

والسؤال على بساطته يعكس أكثر من خلاف وقراءة وتفسير، فهو يفترض أن الخلافات السياسية تتفاقم بالفعل في البحرين والكويت، لكنه يستفتي القراء عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الخلافات، وهل يمكن أن تؤدي إلى عنف طائفي، وهو ما لم تحسمه نتائج الاستفتاء على نحو قاطع، إذ تقاربت إلى حد ما نسبة المصوتين لصالح الإجابة بالإيجاب والسلب، على الرغم منأن الذين صوتوا للخيار (نعم)، متوقعين بذلك أن تؤدي الخلافات إلى أعمال عنف يشكلون نسبة غالبية بلغت 55%، يمثلون (1643) مشاركًا في الاستفتاء.

في الجانب الآخر، بلغت نسبة الذين ذهبوا إلى الإجابة بالنفي مستبعدين وقوع أي أعمال عنف، إلى 39%، يمثلون (1154) مشارك، بينما ارتفعت ـ نسبيًا ـ شريحة الذين لم يحسموا أمرهم فاختاروا الجواب (لا أعلم) لتصل إلى 6% بما يساوي (187) شخصًا من مجمل أصوات المشاركين الذين بلغ عددهم 2984 شخصًا، ولعل هذه النتائج شبه المتقاربة تكشف حجم الارتباك والاستقطاب في التعامل مع هكذا قضية شائكة وبالغة الحساسية، في بلدان طالما كانت موضع حسد محيطها الإقليمي، لرفاهها الاقتصادي، مما يؤكد أن الاقتصاد على أهميته لكنه ليس الحل السحري لكافة المشكلات والتحديات دائمًا.

[email protected]