يقول سكرتير الخارجية الباكستاني السابق شمشاد أحمد أن المساعدات الدولية لا تكون بدون شروط؛ إلا أن الأمر يحتاج إلى دراسة جيدة لدى الدولة المانحة والقابلة للمساعدات. وكل ما حدث في حالة (قانون كيري - لوغر) هو أن الحكومة الباكستانية والجهات المعنية لم تدرسه جيدا أو بقيت في الظلام إزاءه، في حين لم تراع الولايات المتحدة تاريخ العلاقات بينها وبين باكستان كما لم تدرك بمزاج الشعب الباكستاني وحساسياته.

إسلام آباد: تحليل يلقي الضوء على أسباب الضجة الكبيرة التي نشأت في باكستان بعد مصادقة مجلس النواب الأميركي ومجلس شيوخها على مشروع كيري - لوغر لمساعدة باكستان والذي أصبح بعد توقيع الرئيس أوباما قانونا. وعندما تولى أوباما زمام الأمور في البيت الأبيض أكد في كلمة له أن quot;الولايات المتحدة لن تمنح باكستان شيكات بيضاءquot; وهذه الجملة الواحدة ملخص سياسات إداراته المتبعة إزاء باكستان. وبكل وضوح تعني أن الولايات المتحدة لن تساعد باكستان إلا وفق شروطها. والأيام قد أثبتت أن سلوك الإدارة الأميركية الجديدة تغيرت إزاء quot; الحكم المدنيquot; في باكستان ولم يعد كما كان زمن الجنرال مشرف الذي تحالف مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب نتيجة اتصال هاتفي واحد.

ومن المعروف أن قانون كيري - لوغر يحتوي على بنود ومادات كثيرة؛ إلا أن نقطتين من بينها تسببتا في إثارة حفيظة الجيش الباكستاني والمعارضة إضافة إلى المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة. وليس في باكستان للدفاع عن هذا القانون سوى حكومة حزب الشعب ولاسيما الرئيس زرداري وأعوانه.

والنقطة الأولى هي أن تقدم الخارجية الأميركية شهادة بأن باكستان قد قامت بتفكيك الشبكات الضالعة في نشر القوة النووية أو تُمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى المواطنين الباكستانيين الضالعين في هذا الأمر. والثانية أن يتم تقديم شهادة بأن المؤسسة العسكرية الباكستانية وأجهزتها لا تدعم أي مجموعة من المجموعات الإرهابية وأن الجيش لا يتدخل من أجل أي تغيير في النظام القضائي والسياسي إضافة إلى تأكيد أن باكستان تعمل جيدا لتفكيك مراكز المسلحين في مدينة مريدكي وكويتا وأنها لا تسمح لأي مجموعة إرهابية باستخدام أراضيها للهجوم على أي دولة مجاورة.

وقد قرأ الشعب الباكستاني والجيش هذه الشروط اذ يقضي الشرط الأول بتمكين الولايات المتحدة من الوصول إلى العالم النووي الباكستاني د. عبد القدير خان والثاني بالسماح للهند وأفغانستان باقتحام الحدود الباكستانية مبررتين بتواجد المسلحين في مريدكي وكويتا؛ لأن مريدكي مركز لـ لشكر طيبة التي تتهمها الهند بضلوعها في هجمات مومباي العام الماضي وكويتا ملاذ لشورى طالبان كما تدعي الولايات المتحدة وأفغانستان.

أبدى الجيش رد فعله ورفضه لهذه الشروط خلال اجتماع لقادة الفيالق بقيادة رئيس أركان الجيش الفريق أول أشفاق كياني. فاعتبر المتحدث باسم قصر الرئاسة فرحة الله بابر تصريح الجيش quot;تجاوزا لحدودهquot; مشيرا إلى أنه إذا كان لدى الجيش أي تحفظ، كان يجب إثارته في لجنة الدفاع التي تتضمن قادة القوات الثلاثة أيضا؛ لكن الأمر المثير هو أن رئيس الوزراء جيلاني قد غادر إلى الصين في زيارة تستغرق ستة أيام، عوضا عن استدعاء اجتماع لتلك اللجنة والاستماع إلى تحفظات الجيش.

وبعد حدوث ضجة إعلامية في باكستان حول هذا القانون، بدأ الجميع يبحثون عمن وراء تلك الشروط الصعبة التي كادت أن تتسبب في توتير العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة. فجاء الرد في تقرير للكاتب الشهير شاهين صهبائي أن حسين حقاني السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة والذي يشتهر في باكستان بـ quot; السفير الأميركي لدى واشنطنquot;، هو من حرك الخيوط من وراء الستار. وبرر الكاتب باقتباسات من كتاب لحقاني بعنوان (باكستان بين الجيش والمسجد) وقد نشر باللغة الإنكليزية قبل سنوات. واقترح فيه حقاني على الأميركيين أن يعملوا لمنع المؤسسة العسكرية الباكستانية من التدخل في الشؤون السياسية، مشيرا إلى أن الإسلاميين أقلية في باكستان لكن الجيش يقف إلى جانبهم، مشيدا بدور العسكر في مصر وتركيا حيث لا يدعم الإسلاميين.

وأضاف صهبائي أن أي لوبي في أميركا لا تعمل إلا وفق ما يطلب منه مؤكله. واللوبي الذي عمل لإقناع الولايات المتحدة بمنح هذه المساعدة لباكستان بدون شك كان على اتصال بحقاني لكونه ممثلا لباكستان في الولايات المتحدة وبالتالي فإنه هو من أملى هذه الشروط.

وتشير المصادر الرسمية إلى أن باكستان تخسر 8 بلايين دولار سنويا في الحرب المزعومة على الإرهاب، بينما أكدت الولايات المتحدة منحها 7.5 بليون دولار متوزعة على خمس سنين أي 1.5بليون دولار سنويا. وإذا وزعت هذه المساعدة على الشعب الباكستاني فإنها لن تكون أكثر من 8 دولارات سنويا؛ لكن مع ذلك فإن الحكومة الباكستانية تعتبر هذه المساعدة هائلة ومنعطفا هاما في العلاقات بين البلدين.

وبعد أن تسبب هذا القانون في تسخين الساحة السياسية في باكستان، أدركت الحكومة بخطورة الوضع فأعلنت عرض القانون للنقاش أمام البرلمان؛ إلا أنه بدا أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى تهدئة الوضع فقط لاغير؛ لأن الحكومة بدل أن تأخذ رأي البرلمان، أجلت دورة الجمعية الوطنية وطار وزير الخارجية شاه محمود قريشي إلى واشنطن على عجل ليعود إلى باكستان بــ quot;بشرى معالجة تحفظات باكستانquot; عن طريق البيان الإيضاحي الذي أصدره جون كيري في استعجال وأخبر بأن ذلك البيان جزء من القانون؛ لكن سرعان ما تبدد هذا الانطباع إذ أوضح الناطق باسم جون كيري والناطقة باسم لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أن البيان الإيضاحي جزء من سجلات الكونغرس لكن ليس له أي علاقة بقانون كيري - لوغر. وبالتالي سيكون ذلك القانون ساري المفعول مع جميع شروطه.

وعندما أدركت الولايات المتحدة أن آراء الحكومة والمعارضة الباكستانية تتعارض حول هذا القانون، هرع جون كيري بنفسه إلى باكستان ليجري لقاءات مع الرئيس ورئيس الوزراء ونواز شريف وقائد الجيش لإقناعهم بصحة شروط قانون كيري -لوغر؛ إلا أنه صُدم بمعارضة حزب نواز شريف لذلك القانون رغم الإيضاح. وفي نفس الوقت أثار المحامي الشهير أحمد رضا قصوري قضية أخرى عندما قال خلال مقابلة متلفزة بأن نجلا لوزير الخارجية يعمل في مكتب جون كيري كخبير قانوني فلا بد وأن يكون قريشي على علم بشروط قانون كيري - لوغر.

ورغم أن وزير الخارجية نفى أن يكون ابنه زين قريشي موظفا في مكتب كيري، أكد أنه يدرس في بريطانيا وقد تدرب في مكتب كيري لمدة ستة أسابيع من دون أن يتلقى أي مقابل مادي؛ إلا أن هذه التصريحات لم تتمكن من تبديد الضبابية حول دور وزير الخارجية ونجله؛ لأن الصحافة قد نشرت صورة لبطاقة زيارة لزين قريشي حيث كتب أنه يعمل في مكتب السناتور كيري.

أخيرا قد وافق مجلس الوزراء على قبول المساعدة الأميركية بجميع شروطها يوم أمس من دون أن يكسب ثقة البرلمان ndash; حسب ما جرت العادة في حكومة حزب الشعب- وصرح وزير الإعلام قمر الزمان كايرة بأنه لم يكن أمام باكستان أي خيار سوى قبول تلك المساعدة، في حين أبدى نواز شريف رفضه لتلك المساعدة؛ لكن الجميع يعرفون أن رفضه أو موافقته لا يحرك ساكنا لدى الرئيس زرداري الذي قرر أن تتم الموافقة على ذلك القانون بأي طريقة.